aragrag yassine
عدد الرسائل : 99 تاريخ التسجيل : 28/02/2008
| موضوع: الإسلام دين العالمية لا العولمة الجمعة 7 مارس 2008 - 19:35 | |
| ما أن ظهر الاسلام حتى ظهرت طبيعته ((العالمية)) في صورة مصغرة أو ((جنينية))! كما يقولون فمن الأيام الأولى كان حول الرسول سلمان الفارسي وصهيب الرومي (بالإضافة إلى جارية رومية عذبت واستشهدت في سبيل الاسلام) وبلال الحبشي لقد آخى الاسلام بينهم وصهرت روحه القوية فوارق الدم والجنس فيهم كما كان حوله الرجال والنساء والأطفال أحراراً وعبيداً. صحيح أن دعوة الاسلام بدت أولاً محلية، ولكن هذا كان في ترتيب البدء بالدعوة لأن هذا هو ما يقتضيه طبيعة الأشياء فقد بدأت أولاً (أنذر عشيرتك الأقربين) ثم (أم ((القرى حولها)) ثم جاء الأنصار، وأرسل الرسول إلى الأنصار معلمين، ثم بدأت الهجرة إلى المدينة إرسالاً كللت بهجرة الرسول). وعندما استقر الرسول بالمدينة كان من أعماله الأولى المؤاخاة التي قام بها بين المهاجرين والأنصار فقرن كل واحد من المهاجرين بواحد من الأنصار اعتبره أخاه، ووصل كرم الأنصار، وثقتهم في هذه المؤاخاة إلى الدرجة التي كان الأنصاري يعرض على أخيه المهاجر نصف ماله وإحدى زوجتيه بعد أن يطلقها. وكانت الثانية هي ((صحيفة الموادعة المشهورة)) التي جمعت الفئات اليهودية داخل إطار ((أمة المدينة)) ورتبت عليهم واجبات كما منحتهم حقوق مثل واجبات وحقوق الأنصار. وتعد صحيفة الموادعة من أولى المعاهدات إن لم تكن أولى المعاهدات التي تترفع فوق حواجز الدين وفوارق الجنس وتمنح الجميع حقوقاً وواجبات متساوية.. ومع الزمن كانت الطبيعة العالمية للاسلام تتضح وكانت نصوص القرآن صادعة بذلك، وحدت الآيات التي يتصدرها (أيها الناس) محل الآيات التي توجه إلى المؤمنين.. والتي تصرح ببعثة الرسول ((إلى الناس جميعاً)) وتصف ((عالمية الاسلام)). (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) الأعراف: 158. (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء: 107. (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) سبأ: 28. وسلك الاسلام طريقة (حضارية) سلمية في الدعوة لعالميته، تلك هي الخطابات التي أرسلها الرسول إلى ملوك الدول المعروفة وقتئذ الروم والفرس ومصر وكانت هذه الكتب تدعو هؤلاء الحكام للإيمان بالاسلام أو تحملهم مسؤولية إبقاء جماهيرهم في ظلمات الكفر إن رفضوا.. وكما هو معروف فقد رفض الجميع باستثناء المقوقس الذي لم يرفض ولم يقبل وأهدى إلى الرسول هدايا. وأتم الخلفاء الراشدون ما بدأه الرسول عندما أرسل رسله فجوبه بالرفض، ذلك أنه كان يَسعَ المسلمون وليس لديهم قوة أن يقنعوا بتبليغ الملوك ولكن عندما توفرت لهم القوة كان لا بد من تبليغ الشعوب والجماهير، والمجتمع الكافر بصفة عامة برسالة الاسلام.. ذلك أن التبليغ برسالة الاسلام جزء لا يتجزأ من عالمية الاسلام باعتباره الرسالة الخاتمة. ولننظر سوياً إلى هذه الآيات الكريمة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على النس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة: 143. (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) النساء: 41. (ويوم نبعث في كل أمة بشهيد عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) النحل: 89. (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس) الحج: 78. إن هذه الآيات عظيمة الدلالة فيما نحن بصدده لأنها تؤكد عالمية الاسلام بما تفرضه من واجب إشهاد الأمم على الاسلام، وهي: 1 ـ تؤكد عالمية الاسلام. 2 ـ تثبت هذا التأكيد بإيجاب تبليغ رسالة الاسلام وإن يكون المسلمون شهوداً على هذا. 3 ـ ينتهي الوجوب عند هذا ـ وليس فرض الاسلام لأن رسالة المسلم، ورسالة الاسلام ـ تقف عند التبليغ أما إيجاب الإيمان أو فرضه فهذا ما يخالف أصول حرية العقيدة في الاسلام، وما تثبته قاعدة قبول الجزية ـ في حالة الحرب، وانتصار المسلمين.. ولقائل أن يقول ألم يكن هناك طريقة أخرى لتبليغ رسالة الاسلام سوى الجيش؟ فضلاً عن أن الجيش يتضمن أكثر من التبليغ ـ فنقول بعد أن كتب الرسول إلى الملوك، وبعد أن رفض الملوك لم يكن هناك طريق لإشعار المجتمع بن هناك ديناً اسمه الاسلام يعرض على الشعوب إلى هذه الطريقة. لم يكن هناك إذاعات خارجية أو تليفزيونية أو صحافة أو إنترنت أو أي وسيلة للاتصال بالناس.. والطريقة الوحيدة الفعالة والمؤثرة والتي تدفع الملوك والحكام للتحرك هي الجيش. على أن هناك نقطة دقيقة يجب إيضاحها ذلك أن الاسلام كما هو عقيدة دينية، فإنه أيضاً عدالة دنيوية، وقيم حضارية، وقد استبعد الاسلام نهائياً فرض العقيدة الدينية بالقوة ليس لأنها تخالف طبائع الأشياء فحسب ولا لأنه لا قيمة لدين يكره عليه صاحبه ولكن أيضاً لأنه يخالف النصوص القرآنية الصريحة في أن الله تعالى لو شاء لجعل الناس أمة واحدة وأن الهداية مردها إلى الله (إنك لا تهدي مَن أحببت، ولكن الله يهدي مَن يشاء). ولكن من ناحية أخرى فإن نظم الجبروت والطغيان والطبيعة التي قام عليها العالم القديم وبنى عليها الفرس والرومان نظمهم. هذه النظم التي سحقت الجماهير وقضت عليهم بالاستعباد وحرمتهم كما يقولون، الحقوق الأساسية للانسان وكانت الحرب تعني تدمير هذه النظم الطاغية وتحقيق العدل الاسلامي للجماهير، مع منحها حرية الاحتفاظ بدينها وفي نفس الوقت يكفل لهم الجيش الاسلامي الحماية مقابل تقديم جزاء لهذا، وهي ((الجزية)) التي اشتقت من مادة الجزاء. هنا نجد أفضل صورة للعالمية، صورة تعرف الناس بدين يستبعد عبادة الأحبار ـ والرهبان والملوك والطغاة، ويعرض عبادة الرحمن الرحيم الخالق الكريم رمز القيم والمثل الغائبة والإيمان برسول أرسله الله رحمة للعالمين.. ولكن هذا العرض لا يعني، ـ كما أشرنا ـ الإجبار، أنه مجرد عرض، دور المسلمين فيه أن يكونوا شهداء عليه. وفي الوقت نفسه فإن تطبيق القيم الاسلامية والنظم الاسلامية التي تقوم أساساً على العدالة وتستبعد كل صور الظلم والطغيان تحرر المجتمع وتفتح أبواب الحرية وآفاق المبادرات للأفراد جميعاً.. يتضح مما سبق أن للاسلام ((عالمية)) وضعها تطبيقاً لتوجيه القرآن (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات: 13. وهذه العالمية لا تقف أمامها حدود أو سدود وهي تنظر إلى الناس جميعا دون تفرقة بين أبيض وأسود. ذكر وأنثى، والاسلام يجد من واجبه أن يعرف ناس هذه العالمية بالاسلام كعقيدة دينية وعدالة دنيوية وقيم حضارية فالمسلمون هم حملة رسالة عليهم أن يبلغوها، وفي العهود الماضية لم يكن ذلك متيسراً بغير العمل العسكري الذي يشعر الجماهير به، فضلاً عما يتمخض عنه من حرب، أو إيمان، أو موادعة تكون كلها لها آثار بعيدة المدى إن لم يكن في إسلام هذه الأقوام فعلى الأقل تعرفهم على قيم الاسلام، وبالتالي ثورتهم على قيم الطغيان والجبروت. ولكن العصر الحديث وضع في أيدي الدعاة وسائل للدعوة والتبليغ أبعد مدى وأكثر أثراً من أي وسيلة أخرى، وأتصور أن هذه هي وسيلة المسلمين للدعوة وأنها هي البديل عن الجهاد الذي لم يكن له بديل من قبل. فعالمية الاسلامية عالمية حضارية تقوم على أسس وقيم الاسلام الحضارية سواء كان في مجال العقيدة أو في مجال النظم. ومرة أخرى قد يقول قائل: ليس في هذا جديد فالمسيحية، يمكن أن تدعى مثل هذا الدور وهذا صحيح إلى حد ما لأن المسيحية والاسلام أخواعلات، كما يقولون: أي من أب واحد وأمهات شتى ولا يستشعر الاسلام حساسية، ذا قامت المسيحية بتعميم قيم الحب والخير بين الناس جميعاً والفرق الوحيد أن الاسلام أكثر أحكاماً من المسيحية سواء في عقيدة الألوهية الخالية من التعقيد الكهنوتي، أو في النظم التي تقوم على العدل.. خلاصة القول أن الاسلام بطبيعته عالمي وإن عالميته تقوم على التعريف به، وما فيه من قيم وأن هذا يمكن أن يتم مع احتفاظ الأمم الأخرى بأديانهم لأن الاسلام وإن كانت عقيدة من ناحية فهو نظام في ناحية أخرى وقاعدته العامة هي الآية: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). وهذه الآية هي التي تجعل الاسلام عالمياً، وتجعله في الوقت نفسه يرفض العولمة المزعومة لأنها تجعل من قادة المجتمع الأوربي الأمريكي أرباباً من دون الله وتملي على شعوب جماهير العالم الثالث التسليم لها. ذلك أن العولمة التي يدعون إليها ليل نهار ليس إلا الصورة الأخيرة من الهيمنة الأوربية على العالم. وقد سبقتها عولمة ((الإمبراطورية الرومانية)) وما يطلقون عليه ((السلام الروماني)) وكان سلاماً يقوم على السيف الروماني العريض الذي قهرت به الجيوش الرومانية العالم القديم وفرضت نفسها عليه وتحكمت فيه تحكم فاتح يرى أن كل ما في المدينة المفتوحة من أرض، ومال، وعقار وناس هم ملك له بحق الفتح... وانطوت تلك الصفحة لتظهر صفحة أخرى من العولمة الأوربية: عولمة تقوم على تقسيم العالم بين الدول الأوربية طبقاً لاتفاقات في مؤتمرات دولية وكان شعار هذه العولمة وأداتها ((الأسطول البريطاني التي وصلت بوارجه إلى أقصى مواني العالم وقصفت قلاعه. واليوم تأتي جولة جديدة في المعركة نفسها تأتي العولمة التي لا يكون سلاحها السيف الروماني العريض ولا الأسطول البريطاني العتيد، ولكن التكنولوجيا السحرية وما أوجدته من مَرَدة، مثل الكمبيوتر، والأقمار الصناعية، والتليفزيون، وغيره مما زلزل المقومات والقيم والتقاليد والخصوصيات، ولم يجعل هناك ما يمكن أن يقف في وجه هذه المردة، فالسماوات نفسها مفتوحة أمامهم، وفي الأرض غزوها غرف النوم فيها في كل مكان من؟ أجهزة التليفزيون ويتطلع الأفريقي في غابته على إحدى الأزياء الباريسية وآخر المسلسلات الأمريكية. والهدف الوحيد الذي تعمل له كل قوى العولمة هو أن يصبح العالم سوقاً واحداً مفتوحاً، دون جمارك أو حمايات، بحيث يمكن للمنتجات الأوروبية الأمريكية ((المتلتلة)) أن تجد لها مشترين، وأن يتم هذا على أنقاض الصناعات والمنتجات القومية التي لا تتمتع بمزايا المنتجات الأوربية الأمريكية. أما قضية الثمن فليست مشكلة. إذ يمكن التحكم في عملات الدول كما يشاء تجار العملة.. كما يمكن اللجوء في المرحلة الأولى إلى أسلوب الإغريق أولاً، أي النزول بثمن السلعة إلى ما دون التكلفة لفترة معينة تبور فيها كل السلع القومية، وتفلس مصانعها لتعود هذه الدول فترفع في الأسعار كما تشاء، بعد أن انفردت بالسوق.. وتقوم الإعلانات في الجرائد، وفي التليفزيون بحرب أعصاب حقيقية تحطم فيها مقاومة المستهلك بحيث تفصل السلعة بالمعلن عنها عن سلعته، بل يجد نفسه منساقاً لشراء السلعة المعلن عنها حتى ولو لم تكن رغبة الصحيفة.؟ وبهذه الطريقة ينقسم العالم إلى نخبة فوقية هم سكان الدول الأوربية/ الأمريكية. ومستهلكين هم الدول الأخرى... ولما كانت شعوب دول العالم الثالث لا تستطيع الشراء إلا عندما يتوفر لها عمل وتحصل منه على نقود، فإن العالم الأوربي/ الأمريكي يدخر لها أدنى الأعمال وأقلها كسباً وأكثرها ناء، وبذلك يرفع عن نفسه القيام بهذه الصناعات والحرف أو بخس الأجور فيها ـ لأنه لا يريد بخس الأجور في بلاده وبهذا يكسب مرة أخرى ولا يؤثر فيه أن إنقاص الأجور في العالم الثالث سيؤثر على قوته الاستهلاكية، لأن عددهم بمئات الملايين، ولأن إغراء السلع الجديدة، وتأثير الدعاية والإعلان تجعل عمال الدول النامية تخيف على غذائها وكسائها وثقافتها في سبيل الحصول على التليفزيون الذي يشبع المتعة ويعرض ما يقوم بدوره في الإشباع العاطفي حتى بدور الممارسة العاطفية. وإذا كانت العولمة الرومانية تعتمد على السيف، وعولمة الاستعمار تعتمد على الأسطول، فإن لدى العولمة الحديثة ترسانة كاملة من الأسلحة، فبعد ظهور الآثار السيئة لاقتصاديات الشركات متعددة الجنسية أو عابرة القارات تلتمس الدولة مساعدة صندوق النقد الدولي الذي يتقدم ((بوصفة)) معروفة تتضمن تخفيض العملات، وتقليص الإعانات والخدمات الاجتماعية وخصخصة الشركات وترك آليات السوق حرة في العمل، ويقدم الصندوق لقاء إجابة هذه الشروط معونات نقدية بفوائد متفاوتة، وما أن تتقبل الدولة ذلك حتى تجد نفسها وقد أصبحت أسيرة الصندوق لا تملك لنفسها شيئاً، فقد أطلقت عنان الرأسمالية التي لا تعرف إلا الربح والمنافسة القاتلة، وأسوأ شيء أنها تعجز عن سداد الديون وتتراكم الفوائد ويصبح هم الدولة تسديد الفوائد التي فاقت أضعافاً مضاعفة الدين الأصلي.. لقد أصبح واضحاً أن الهدف الرئيسي للعولمة المزعومة هو القضاء على سلطة وقوة الحكومة خاصة في المجال الاقتصادي، بحيث تصبح الدولة تحت رحمة صندوق النقد الدولي، واقتصاديات الشركات الكبرى التي تزيد مالية إحداها عن عشرين أو ثلاثين دولة من دول العالم الثالث، بحيث لا تستطيع أن تقدم شيئاً لشعوبها، أو تصد غائلة الرأسمالية الدولية أو تعينها في محنتها لأن هذا كله يخالف مبادئ الاقتصاد الحر كما يزعمون. ومن ترسانة العولمة الحديثة ((العقوبات الدولية التي تفرضها أمريكا باسم دول العالم على مَن تشاء طبقاً لمعاييرها الخاصة، فتترك إسرائيل تصنع مئات الرؤوس النووية وتضرب العراق، والسودان لمظنة أن لها نشاطاً ودراسات نووية، وقد سلطت العقوبات الدولية على ليبيا، فلم تستطع مصر، وهي أقرب الدول إليها أن تفعل شيئاً لها. وكان وجود الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية يعوق انطلاقة وحش العولمة، فلما تهاوى الاتحاد السوفيتي انفردت الولايات المتحدة وانفسح أمامها المجال لأسوأ صور الاحتكار والعربدة. وأعتقد أن من الضروري لمجموعة الدول الاسلامية أن تتكتل لمقاومة هذا الوباء، ولن تعجز من أن تجد حلفاء لها من الدول التي حاقت بها نقمة العولمة لوضع حد لهذا الابتزاز والتحكم والهيمنة.
| |
|