إعداد: مروة عامر
مفكرة الإسلام: يعد الوجود العربي بوجه عام والإسلامي بوجه خاص في أمريكا اللاتينية من الموضوعات الثرية والمثيرة للجدل, خاصة فيما يتعلق ببداية الوجود الإسلامي في القارة، الأمر الذي قد يتطلب الحديث عنه دراسات مستفيضة، إلا أننا سنتناول الخطوط العريضة في محاولة لنقل صورة واضحة لتاريخ المسلمين في القارة اللاتينية والوضع الحالي لهم والصعوبات التي يواجهونها، من خلال طرح بعض التقارير لمختلف المصادر، حيث نبدأ بتقرير نشرته إذاعة 'بي بي سي' في صفحتها الإسبانية على شبكة الإنترنت تحت عنوان 'المسلمون والعرب في أمريكا اللاتينية'، جاء فيه:
'يتفق المتخصصون على أن الأرقام المتعلقة بالوجود العربي والإسلامي في أمريكا اللاتينية مشوشة ومتباينة للغاية.
وتشير حسابات مثل تلك التي نشرتها صحيفة الأهرام المصرية إلى وجود 17 مليون عربي ولاتيني عربي الأصل في المنطقة، إلا أن تقييمًا أكثر تحديدًا من جهة الديانة عنه من جهة الأصل يُقدر عدد المسلمين في أمريكا اللاتينية بستة ملايين.
وهو ما سجلته المنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية، التي أوضحت أن مليونًا ونصف المليون منهم يعيشون في البرازيل و700 ألف في الأرجنتين، حيث يتسم هذان البلدان بأكبر وجود إسلامي في القارة.
وترجع أولى شهادات العرب والمسلمين الذين وصلوا القارة الأمريكية إلى الإمبراطورية الإسبانية، حيث أدخل العبيد الذين أحضرهم الغزاة من شمال وغرب إفريقيا الإسلام في القارة، والذين استقروا في دول مثل البرازيل وفنزويلا وكولومبيا وبعض جزر الكاريبي، حيث فقدوا الاتصال بجذورهم ولم يحتفظوا بهويتهم الثقافية واندثروا في النهاية.
وفي الولايات المتحدة، يُقدر عدد المسلمين الذين عملوا كعبيد في المزارع بثلاثة آلاف مسلم.
وعقب ذلك، في غضون عام 1850، تم تسجيل موجة قوية من العرب الذين كانوا يعيشون في ظل الإمبراطورية العثمانية والذين فروا من هذه السلطة.
وكانت تسود في ذلك الوقت فكرة أمريكا قارة الآمال، حيث ينتظر مستقبل كبير، فقد استقبلت الأرجنتين على سبيل المثال سوريين ولبنانيين بشكل رئيس، الأمر الذي حدث كذلك في البرازيل وفنزويلا وكولومبيا وبراجواي، إلا أنه في حالة براجواي استوطن فلسطينيون أيضًا.
ويوضح 'ريكاردو لوبيث دوسيل' المتخصص في الشرق الأوسط وإفريقيا لبي بي سي أنه 'يمكن القول بشكل عام أن المهاجرين الأوائل كانوا رجالاً فقط، شبابًا وفقراء، تخصصوا بشكل رئيس في النشاط التجاري والبيع المتنقل الذي لم يكن يتطلب معرفة كبيرة باللغة'.
ويضيف: 'تمكن هؤلاء المهاجرين من وضع مبادئ تجارية جلبوها من دولهم ولم تكن معروفة في القارة، مثل مبدأ الائتمان'. وعقب نجاح تجارتهم استدعى هؤلاء المهاجرون أسرهم.
وقدمت موجة جديدة من الهجرة عقب إعلان 'دولة إسرائيل' عام 1948، حيث تم في ذلك الوقت تسجيل وصول فلسطينيين إلى تشيلي بشكل رئيس.
واندمج الكثيرون من العرب والمسلمين مع الشعوب المحلية، حيث يعلق لوبيث دوسيل 'فإذا تطرقنا على سبيل المثال إلى أنه تم بناء أول مسجد في الأرجنتين منذ ما يقرب من 20 عامًا، فقد يشير ذلك إلى أنهم كانوا مندمجين أكثر بكثير مما نعتقد'.
وظهر في أمريكا اللاتينية العديد من السياسيين عربيي الأصل، مثل الرئيس الأرجنتيني السابق 'كارلوس منعم'، السوري أصلاً, والذي كان ينحدر من أسرة مسلمة إلا أنه اعتنق النصرانية قبل بدء حملته الانتخابية، و'عبد الله بوكرم'، لبناني الأصل نصراني، والذي سبق أن تولى رئاسة الإكوادور، فضلاً عن اللبناني 'جابرييل تورباي' الذي كان مرشحًا لرئاسة كولومبيا في الأربعينيات.
في الحدود الثلاثية:
ويعيش 25 ألف عربي - مسلمين ونصارى - في الوقت الراهن في الحدود الثلاثية بين الأرجنتين وبراجواي والبرازيل.
وتشكل هذه الجالية نسبيًا أهمية في أمريكا اللاتينية سواء لعددها أو لتركيزها.
ووصل هؤلاء المهاجرون في وقت أقرب، منذ ما لا يتجاوز أربعة عقود، هربًا من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط.
وبدأت قمة الهجرة للحدود الثلاثية في عقد السبعينيات ببناء سد إيتايبو للكهرباء المائية، الأمر الذي شجع على زيادة إعمار المنطقة وظهور المصانع وقطاع الخدمات المتعلقة به.
ويتولى مواطنون عرب نسبة كبيرة من التجارة في المدينتين الحدوديتين 'فوز دو إيغواسو' 'البرازيل' ومدينة الشرق 'براغواي'.
وفي تناول أدق لتاريخ ووضع المسلمين بشكل خاص في أمريكا اللاتينية، نسوق هذا الجزء من تقرير للمنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية، التي تضم مسئولين مسلمين من مختلف دول أمريكا اللاتينية:
'كان عدد كبير من العبيد الذين أحضرهم الغزاة من شمال وغرب إفريقيا إلى القارة الأمريكية مسلمين، إلا أنه تم إجبار الكثيرين منهم على التخلي عن عقيدتهم الدينية تحت تهديدهم بالإعدام.
وهكذا بمرور الوقت أخذت آثار الإسلام في الاندثار في أراضي أمريكا اللاتينية، إلا أن تجمعات إسلامية جديدة بدأت في الظهور مجددًا في نهاية القرن الـ16 إثر تحرير العبيد وعودة الكثيرين منهم إلى هذه الأراضي، فضلاً عن تيارات المهاجرين القادمين من الهند وباكستان.
وتشير العديد من الوثائق إلى أن موجة كبيرة من المهاجرين العرب المسلمين قد بدأت مجددًا إلى الأراضي الأمريكية خلال الفترة ما بين عاميْ 1850 و1860.
وكان غالبية هؤلاء المهاجرين من أصل سوري ولبناني، والذين أقاموا في دول مثل الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا وكولومبيا. ووصل براجواي كذلك - فضلاً عن السوريين واللبنانيين - مهاجرون من فلسطين وبنجلاديش وباكستان، كما أقاموا في تشيلي وكولومبيا.
واتسمت هذه الهجرة بكثافة كبيرة بدأت تنخفض في الخمسينيات والسبعينيات، ليظهر عقب ذلك التاريخ فيض كبير من المهاجرين في البرازيل وفنزويلا.
وأخذت هذه الجاليات في الاندماج في النشاط الوطني والظهور كنتاج لعملها واحترامها ومودتها للوطن الذي استقبلها.
وتجمع الكثيرون منهم من أجل تشكيل هيئات إسلامية ومراكز ومساجد... إلخ، حيث يمارسون عقيدتهم.
وفي الوقت الراهن، توجد في كل دول أمريكا اللاتينية تجمعات من المسلمين، سواء المهاجرين أو سكان البلاد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام.
أمثلة على التشابه بين دول أمريكا اللاتينية:
· يتضح تشابه دول أمريكا اللاتينية بشكل كبير في اللغة 'الإسبانية'، باستثناء البرازيل التي تتحدث اللغة البرتغالية، المشابهة بشكل كبير للإسبانية، الأمر الذي لا يشكل عائقًا بين سكانها.
· التشابه في المعتقدات؛ حيث يدين غالبية سكان القارة بالنصرانية.
· التشابه في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية... إلخ.
وطبقًا لما سبق، يمكننا القول بأن أية دراسة تتعلق بالمسلمين في أية دولة من دول أمريكا اللاتينية تفيد كل باقي دول القارة.
ولدى الحديث عن الجالية الإسلامية في أمريكا اللاتينية، تجدر الإشارة إلى أن المهاجرين بشكل عام يمثلون 50% من المسلمين, وأن الباقي مسلمون جدد من جنسيات مختلفة: مكسيكيون وإسبانيون وإيطاليون وكولومبيون وأرجنتينيون وتشيليون... إلخ.
وتتمثل الصعوبات التي لازال الكثير من المسلمين في أمريكا اللاتينية يواجهونها في:
1- الافتقار للدراية الكافية بالدين والثقافة الإسلامية.
2- التقصير في ممارسة التعاليم الإسلامية من قِبل البعض.
ويرجع ذلك إلى عدم فهم المسلمين أنفسهم للإسلام ومحاولتهم أحيانًا أن يبدو مثل سكان المجتمعات التي يعيشون بها لينتهي بهم الحال بتقليد عاداتهم وفقد الاهتمام بديانتهم وبالحصول على حقوقهم.
3- عدم الاهتمام بتعليم اللغة العربية.
4- الافتقار لموارد اقتصادية.
5- الافتقار لمرشدين دينيين يعلمون اللغة الإسبانية وعادات الدول التي ينشرون الدعوة بها.
6- عدم توفر مساعدة للأطفال والشباب.
7- عدم وجود لجنة لإدارة المصالح الإسلامية 'الوقف'.
8- عدم توفر مؤسسات دراسية إسلامية وعربية للمستوى الثانوي.
9- عدم توفر مادة إسلامية باللغة الإسبانية.
10- الافتقار لوجود تنسيق بين أنشطة الهيئات الإسلامية.
11- عدم التواصل بين المسلمين على كل المستويات: الفردية والأسرية وبين الهيئات والمنظمات.
12- عدم عقد مؤتمرات واجتماعات دينية.
13- الافتقار لوجود مجموعة معدة تتولى مسئولية الرد على وسائل الإعلام.
14- نقل وسائل الإعلام المحلية صورة خاطئة عن الإسلام والمسلمين'.
وتعمل المنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية على وضع خطة عمل مشتركة ودقيقة للتصدي لهذه الصعوبات وتطبيقها من خلال الهيئات الإسلامية في دول أمريكا اللاتينية.
ولا ينبغي أن نغفل ونحن بصدد الحديث عن المسلمين في أمريكا اللاتينية الجدل المثار حول التاريخ الحقيقي لوصول المسلمين إلى الأمريكتين، حيث تشير العديد من الآثار والدلائل التي أوضحها مختلف المؤرخين والباحثين إلى وصول المسلمين الأفارقة إلى الأمريكتين قبل وصول كريستوفار كولومبوس إليها بمئات الأعوام، الأمر الذي أبرزته الجماعة الإسلامية بالأندلس في تقارير نشرتها في موقعها على الإنترنت، والتي استندت فيها إلى شهادات العديد من المؤرخين والعلماء، نذكر منها جزءًا من تقرير بعنوان 'الإسلام وأمريكا':
'إن الدلائل على وجود مسلمين في أمريكا القديمة متعددة، حيث تتمثل في المنحوتات والنقل الشفاهي والشهادات العينية والكتابات المحفورة. وفي الفن الهندي الأمريكي يمكننا رؤية أفارقة وساميين في أوضاع سلطة وصيت، خاصة في بعض المجتمعات التجارية في المكسيك.
ويصف العالم سيروس غوردون في كتابه 'قبل كولومبوس' العثور على عملات في المنطقة الجنوبية من الكاريبي: 'تم اكتشاف كمية كبيرة من عملات البحر المتوسط في المنطقة الساحلية في فنزويلا، والتي بهذا العدد الكبير لا يمكن أن تكون مجرد مجموعة عملات مجمعة. وكانت غالبية العملات رومانية من عهد أغسطس حتى القرن الرابع عشر بعد الميلاد، إلا أن اثنين منها عربية من القرن الثامن عشر الهجري... ولا ننسى أن العملات الرومانية ظلت مستخدمة في القرون الوسطى. وكل ذلك يدل على أن سفينة يستقلها مسلمون قدمت من إسبانيا أو شمال إفريقيا قد عبرت الأطلسي خلال عام 800م'.
وتعد هذه العملات بمنزلة دليل قوي على صحة التقارير التاريخية التي كتبها مؤرخون وجغرافيون مسلمون بشأن رحلات بحارة ومغامرين مسلمين عبر الأطلسي، مثل الشريف الإدريسي - أكبر جغرافيي الأندلس القديمة - في كتابه 'جغرافيا الإدريسي'، فضلاً عن آخرين'.
ونسوق جزءًا من تقرير آخر نشرته كذلك الجماعة الإسلامية بالأندلس في موقعها تحت عنوان 'الإسلام في أمريكا قبل كولومبوس':
'وصل المسلمون أمريكا قبل كولومبوس بمئات الأعوام، الأمر الذي يمكننا التأكد منه، فقد زودنا كل من كلايد أحمد وينترز وباري فيل وأليكساندر فون ووثيناو وإفان فان سيرتيما بدلائل على صحة ذلك، الأمر الذي يشكل حدثًا وليس مجرد رأي، إلا أن الكثيرين قد فضّلوا تجاهله في الماضي.
وقد أبرز دكتور باري فيل، عالم الآثار النيوزلاندي البارز والعالم اللغوي في جامعة هارفرد، دلائل تفصيلية في كتابه 'قصة أمريكا - 1980' على أن المسلمين لم يصلوا أمريكا قبل كولومبوس فقط بل أنهم كانوا نشطين للغاية هناك أيضًا، فالكثير من الكلمات في لغة سكان بيما في الجنوب الغربي ولغة الألجونكون عربية الأصل، كما وُجدت نقوش إسلامية على الصخور في أماكن مثل كاليفورنيا.
فقد عثر فيل على العديد من هذه النقوش، كما عثر في الولايات الغربية بالولايات المتحدة على نصوص ورسوم تخطيطية وخرائط مسجلة في صخور تمثّل القطع الناجية الأخيرة لما كان في الماضي نظام المدارس وترجع إلى عام 700-800م، حيث كانت التعاليم تتضمن مواد مثل الرياضيات والجغرافيا وعلم الفلك والملاحة البحرية. وكانت لغة التعليم هي العربية الكوفية التي كانت منتشرة في شمال إفريقيا.
ويزودنا كذلك مؤرخ الفن الألماني، أليكساندر فون ووثيناو، بدلائل على وجود مسلمين في أمريكا خلال الفترة ما بين عامي 900 و1300، أي قبل 500 عام من ولادة كولومبوس على الأقل! حيث عُثر على رءوس محفورة يبدو عليها مظهر مسلمي شمال إفريقيا وترجع لما بين عاميْ 900 و1300، فضلاً عن مجموعة أخرى من الرءوس التي ترجع إلى الفترة ما بين عاميْ 900 و1500.
ويشتهر إفان فان سيرتيما على نطاق واسع بكتابه 'جاءوا قبل كولومبوس' [1976]، والذي أوضح فيه أنه كان هناك اتصال كبير بين الأفارقة القدماء الأوائل وسكان أمريكا الأصليين، حيث يبرز فيه وفي كتاب آخر له بعنوان 'الوجود الإفريقي المبكر في أمريكا' [1987] أنه كانت هناك مستوطنات إسلامية إفريقية في الأمريكتين حتى قبل التخطيط لحملة كولومبوس.
وقد أوضح بحثه أن التجارة العربية الإسلامية كانت نشطة في أمريكا. وفي السجلات، يصرح كولومبوس ذاته، الرجل الذي 'اكتشف' أمريكا، أن انطباعه عن سكان الكاريبي أنهم كانوا 'محمديين'، حيث كان يعلم بوجود مسلمين في العالم الجديد وأن مسلمي الشاطئ الشرقي لإفريقيا كانوا قد استقروا في الكاريبي وأمريكا الوسطى والجنوبية والشمالية.
وعلى نقيض ما فعله كولومبوس، لم يأت هؤلاء المسلمون الأفارقة لاستعباد الشعوب أو سرقة أراضيهم وإنما جاءوا للتجارة وتزوجوا من سكان البلاد الأصليين.
واعترف كولومبوس كذلك في مذكراته الشخصية أنه بينما كانت سفينته تبحر بالقرب من جيبارا على الساحل الشمالي الشرقي لكوبا في 21 أكتوبر 1492, رأى مسجدًا، كما عُثر على بقايا مساجد أخرى في كوبا والمكسيك وتكساس ونيفادا.
وفي الرحلة الثّانية لكولومبوس, أخبره هنود هايتي بأن أشخاصًا 'سودًا' قد وصلوا الجزيرة قبله، حيث قدموا لكولومبوس كدليل على ذلك رماح هؤلاء الزوار، وكشفت عقب ذلك الدراسة المكثفة للمعادن المستخدمة في تصنيع هذه الأسلحة أنه لا يمكن أن يكون قد تم صنعها سوى في مكان واحد: غينيا.
وأبرز مؤرخ آخر يُدعى 'بي في راموس' في كتابه 'الوجود الإفريقي في أمريكا الأولى' أن النظم الغذائية في الكاريبي كانت مشابهة للتعاليم الإسلامية'.
وعلى الرغم من الدلائل على وصول المسلمين الأفارقة إلى الأمريكتين قبل كولومبوس، والتي لم نذكر سوى جزء منها، إلا أن الجدل مازال مثارًا حول الأمر.