أطباء الأمراض العقلية يدقّون ناقوس الخطر
75 بالمائة من الجزائريات عرضة للإنهيار العصبي ··ومليون طفل مصدوم وطنيا
تعتبر المرأة الركيزة الأولى للمجتمع ونصفه الذي لا يتجزأ ولا يعوض، إلا أنه وفي مجتمعنا زادت نسب النساء المختلات عقليا وتجاوزت الخطوط الحمراء، خاصة وأنه بعدد المجانين تُقاس الصحة العقلية للمجتمعات، إلا أننا نلاحظ في أيامنا انهيار الآلاف من الجزائريات عصبيا ودخولهن عالما لا اعتبار للعقل فيه، حيث أصبحن فيه من فئة المرفوع عليهم القلم ولا يمكن لعاقل أن يلومهن عن سلوكاتهن أو يوقع على عاتقهن أية مسؤولية·
تحقيق:آمال فيطس
وتبقى المصحات العقلية والعصبية الشاهد على مدى انتشار الظاهرة ومعاناة هذه الفئة وعلى النسبة التي وصلت إليها حالات هذه الشريحة من المجتمع، حيث نجد هذه المصحات والمستشفيات عبر مختلف ربوع الوطن من مصحة تيارت وعنابة وتيزي وزو وميلة والبليدة والعاصمة شاهدة على هذه المأساة· ففي غرب البلاد وبالمؤسسة الاستشفائية الخاصة بالأمراض العقلية بمدينة سيدي بلعباس، التي خُصص لافتتاحها مبلغ 23 مليار سنتيم، والتي تتسع لحوالي 120 سرير جاءت لتغطية العجز المسجل على مستوى مصلحة الأمراض العقلية التي لا تتوفر سوى على 20 سريرا، في وقت تستقبل فيه أكثر من 1000 حالة شهريا، وأمام العدد الهائل من المرضى الذين يتوافدون على المستشفى رغم الضيق الذي يميزه يبقى دوره منحصرا في فحص المرضى وتحرير الوصفات الطبية، الأمر الذي يواجه بالانتقاد كون المصحة لم تقم على مقاييس دولية·
بمستشفى أبو بكر الرازي بعنابة، سجل خلال سنة 2005 مرور1500 مريض من النساء والرجال قادمين من 5 ولايات هي فالمة والطارف وسوق اهراس وتبسة وعنابة، منها 354 مريضة نزيلة به و 712 حالة معالجة تخص النساء، أما عن الإحصائيات المسجلة بوحدة الأمراض العقلية والنفسية الواقعة بحي سيدي عبد القادر والتابعة لمستشفى محمد بوضياف بورفلة، فقد عرفت سنة 2005 فيما تعلق بنزلاء الوحدة المقيمين بها قصد العلاج وبصفة متداولة 13074 نزيل من بينهم 10189 رجل و 2885 امرأة، وتم خلال هذه الفترة إجراء 200 فحص طبي· أما عن الثلاثي الأول من السنة الجارية فقد تم استقبال 3098 مريض بينهم 2172 رجل و 926 امرأة، مع القيام بـ 107 فحص طبي، في وقت استقبلت الوحدة خلال شهر أفريل لوحده 995 مريض منهم 772 رجل و 223 امرأة، وأجرت خلال ذات الشهر 53 فحصا·
75 بالمائة من مرضى عيادات الأعصاب نساء
أكد الدكتور''ع· جمال'' أخصائي في الأمراض العصبية عند استفسارنا عن الفرق بين الاضطراب النفسي والاضطراب العصبي، أنه ليس هناك أي معنى للاضطراب النفسي بحيث لا يمكن تحديد مفهومه، في حين أن الانهيار العصبي هو مرض محدد في حقل الأمراض العقلية عكس المفهوم العام والسائد لدى مختلف الأفراد والذي يرجعون بموجبه كل الاضطرابات للانهيار العصبي، وأضاف أن هنالك عدة حالات ومصطلحات مرتبطة بالمعنى، منها الانهيار العصبي، حالة اضطرابية، الإحباط، الاكتئاب··· ، وعن أعراض الانهيار العصبي فقد أرجعها إلى الاكتئاب والحزن العميق الذي يدوم لأكثر من 20 يوما والذي يرجع للتوجع النفسي أو ما يعرف بـ la douleur morale، مما يسبب الأرق وخاصة الاستيقاظ المبكر قبل الفجر ليبقى هذا الفرد في حالة صراع مع الأفكار إلى جانب فقدان الشهية والذوق في الحياة، فقدان المتعة والمصلحة، فينجر عن هذا كله الإرهاق وصعوبات في التركيز والقلق الذي يكون مجاله أقل، حيث يمكن أن لا يصيب كل الأفراد، وإذا أصابهم قد يؤدي بهم للاعتداء بالضرب على الآخرين· ثم نصل إلى مرحلة أخرى- يضيف المتحدث- حيث تبدأ فيها الأعراض الجنونية les psychoses فيصيب الإنسان إحساس عميق بالذنب ويحمل نفسه مسؤولية ثقيلة وهذا ما يؤدي به إلى الحزن العميق وحتى التفكير في عدم صلاحيته وجدواه، فيظن أن الناس تتآمر عليه من أجل إلحاق الأذى والضرر به، ويصل الحد به إلى سماع أصوات تُقلل من شأنه وقيمته وقد ينتهي به المطاف إلى الانتحار، أما عن الأعراض الجسدية فتكون عند المصابين بحالات اضطراب خفيَّة، حيث تظهر للواجهة الأعراض الجسدية كآلام المعدة والقلب ونجدها خاصة عند المرأة·
ويذكر الأخصائي، أن المرأة أكثر عرضة للإصابة بالانهيار العصبي كونها أكثر حساسية وليس لها توازن وتطور في شخصيتها، حيث تكون دوما مضطربة، ويستدل بوقت مضى حيث كانت المرأة تحت ولاية وضغط واستبداد الرجل، إلا أنها كانت تتمتع بتوازن وتتحكم في شخصيتها، لأنها كانت ترى ذلك عاديا نظرا للظروف التي كانت تعيشها فتتقبل أوضاعها، أما اليوم ومع الاختلاف والتذبذب وعدم التوازن الحاصلين في المجتمع بسبب تمازج الثقافتين الغربية والعربية يقول أن المرأة أصبحت تتقبل واقعها وتحاول مواكبة عصرنة الثقافة، إلا أنه وبالرغم من عمل المرأة ورغم كوننا في القرن الحادي والعشرين، إلا أن هناك من النسوة من يعانين تسلط وضغط الرجل رغم أنه لا الديانة ولا القوانين تمنعها من أن تكون حرة، والمرأة لم تعد تتقبل ذلك كما كان الأمر في الماضي مما سبب كثرة الانهيارات العصبية في صفوف النساء·
كما تطرق المتحدث إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية وتشعبها خاصة مع توسع العائلات وتشاركها في منزل واحد لما تشهده الجزائر من أزمة سكن، الأمر الذي اعتبره يهز كيان المرأة بالدرجة الأولى، عكس ما نجده في البلدان الأخرى حيث يتمتع كل واحد باستقلاليته في منزل منفرد، مما من شأنه أن يُقلل من وطأة المشاكل والضغوطات·
وعن نسبة النساء المعالجات لديه -أضاف محدثنا- أنه ضمن كل 3 حالات نساء هناك واحدة للرجال، مما يعني أن 75 بالمائة من مرضاه نساء، أما عن النسبة الحقيقية والدقيقة يقول أنه يصعب إحصاؤها لأن هناك حالات مرضية تعرض على أطباء عامين رغم عجزهم عن معالجتها، إلا أنه وللأسف- يقول الدكتور- فإن الأفراد لا يُدركون حقيقة وخطورة الأمر، حيث يُعالجهم الأطباء العامون بواسطة المهدئات التي لها آثار جانبية على صحة الإنسان، كونه يعتاد عليها ويُدمنها، في حين أن طبيب الأعصاب يستعمل في علاجه مضادات الاكتئاب التي قال بشأنها- إن لم تنفع لا تضر- واختصر أسباب الانهيار العصبي في غالب الأحيان وبغض النظر عن حالات يكون السبب فيها الأحداث الخطيرة سواء عائلية أو طبيعية أو وفاة شخص قريب كابن صغير السن أو موت عائلة بأكملها في حادث مروري أو زلزال أو حرب أو قتل إجرامي وتنكيل بالجثة، كل هذا يكون له وقع كبير على شخصية الأفراد ويُسبب اضطرابها، مما يسهل حدوث اضطرابات عصبية أخرى panevrose مثل الهستيريا أو الوسواس القهري والأوهام والفوبيا ونقص النضج العاطفي، أي تعرض الفرد لمشاكل الاعتناء به في طفولته مما يُسبب عوائق لتطور عاطفته·
كل الأمراض العصبية تورث ما عدا الناجمة عن حالات التعذيب والإرهاب و الكوارث الطبيعية
يقول الدكتور ''ع· جمال'' أخصائي الأمراض العقلية عن علاقة الوراثة بالانهيار العصبي، أن هناك حالات قلق وراثية يتم تناقلها عبر الأجيال، إضافة إلى القلق المكتسب من التربية والمحيط، وفي الوراثة نجد التنوع، حيث ليس بالضرورة أن يكون كل الأطفال مرضى عصبيا وورثوا أمراض آبائهم، لكن المهم أن كل الأمراض العصبية تُوّرث ماعدا منها التي نجمت عن حالات التعذيب خاصة، والإرهاب والكوارث الطبيعية· وأرجع أسباب الانهيار العصبي إلى الأسباب الوراثية بالدرجة الأولى، إذ اعتبرها حالة انهيار عصبي تدخل ضمن إطار مرض pshycose moniaeo depressive مما يعني أنه مرض وراثي يمكن ظهوره في حالتين مختلفتين: الأولى عند الاكتئاب العميق، ويعرف في غالب الأحيان بـ''المينوكوليا''، والثانية عند الهيجان الجنوني، مما يعني هيجان كل الوظائف العصبية، منها الفرح المفرط والذي يتعدى الحدود الطبيعية، حيث يؤدي بالإنسان الغني إلى تبذير أمواله وبالطبيب إلى أن يكون عكس ما هو عليه أي شريرا إلى جانب المشي دون توقف· وقد لا ينام الإنسان لأيام تتعدى 10 أيام، مع انفتاح الشهية واتساع الشهوة والرغبة الجنسية، فيلجأ الإنسان إلى إقامة علاقات جنسية مفرطة مما قد يؤدي به إلى الاعتداء، أما بالنسبة للمرأة التي تعتبر مقارنة بالرجل في هذه الحالة أكثر هيجانا من الناحية الجنسية، فيؤدي بها إلى إقامة علاقات لإشباع شهواتها عن طريق السهر المستمر والسهر وعادة ما ينتهي الأمر إلى فقدان عذريتها· و أكدت الإحصائيات التي تحصلنا عليها من خلال مصادر موثوقة أنه وفي سنة 2004 أشارت إحصائيات الدراسة التي أقامها المركز الوطني لنسبة المرضى المصابين بحالات الانهيار من قلقل وتوتر والتي تشمل الحالات التي تم فحصها والتي لم يتم فحصها بعد، كشفت الدراسة أن هذه الحالات بلغت 65 بالمائة من بينها 69 بالمائة من فئة النساء، أما على المستوى الوطني فقد أظهرت النتائج أن نسبة 40 بالمائة من حالات الفحوصات التي كشفت عن الإصابة بحالات انهيارية وصلت نسبة النساء فيها إلى 75 بالمائة· فلماذا تنهار النساء عصبيا أكثر من الرجال؟ هل لأنهن أكثر حساسية منهم؟ وهل الرجل المسؤول الأول عن ذلك باستبداده وقهره لهن؟·
أكثـر من 65 بالمائة من الانهيارات العصبية تسجل في الوسط العائلي
يؤكد أحد الأطباء المختصين، أن ظاهرة الانهيارات العصبية عرفت ارتفاعا كبيرا منذ سنة 2003 خاصة بعد زلزال بومرداس، وذلك للتأثير النفسي الكبير الذي أحدثته الكارثة الطبيعية في نفوس المواطنين الذين فقدوا أقاربهم، كما كشف أن لمختلف العادات الاجتماعية والتقاليد آثار سلبية على الأفراد داخل أُسرهم أدت في العديد من الأحيان إلى إصابتهم بالكآبة، وما زاد من تعقّد الوضعية غياب الحوار بين أفراد العائلة الواحدة في ظل أزمة انخفاض القدرة الشرائية التي يعاني منها أرباب الأسر، وهذه حسب الدكاترة المختصين كلها مشاكل يجب معالجتها من أجل التقليل من الظاهرة.
وقد كشفت البحوث التي استعرضها الأطباء في محافل عديدة أن أكثر من 65 بالمائة من الانهيارات العصبية المسجلة في الجزائر حدثت في الأوساط العائلية، مما ينبئ بخطورة الوضع الذي يستلزم دراسة معمقة للمجتمع الجزائري الذي ما زال لا يدرك عواقب الانعزال.
التكفل بـ 5 بالمائة فقط من الأطفال المصدومين من أصل مليون
كشف، مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، أنه تم التكفل بـ 5 المائة فقط من الأطفال المصدومين ضحايا الأزمة الوطنية على مستوى التراب الوطني والبالغ عددهم حسب إحصائيات الهيئة أكثر من مليون طفل· أكد، مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث ''فورام''، من خلال نتائج الدراسة التي أجريت على 1200 طفل من منطقة- براقي، سيدي موسى والكاليتوس- منهم 120 بالغ و 413 مراهق سنهم المتوسط 15 سنة، ممن كانوا ضحايا العنف والصدمات خلال العشرية السوداء وتم التكفل بهم طيلة 10 سنوات منذ افتتاح المركز سنة ,1998 إذ أن 50 بالمائة من الأطفال الذين تم التكفل بهم من قبل الهيئة والذين صاروا شبابا اليوم، لايزال عندهم أعراض الصدمات النفسية والإنهيارات العصبية، وهي ما جعلتهم أكثر عرضة للإضطرابات والمشاكل السيكولوجية، كما أن 48 بالمائة من أولياء هؤلاء الأطفال بدورهم يعانون من آثار الصدمات بشكل قوي·
وأضاف المتحدث أن نتائج الدراسة عبارة عن بحوث مست أفواجا كثيرة من الأطفال في مراحل مختلفة من الأزمة، مما يجعل النتائج مختلفة حسب نوعية التكفل ومدته، كما أعلن عن توقف مشروع نشر ثقافة نبذ العنف الذي انطلق سنة 2000 والذي كان مقررا أن يشمل كل المدارس لكنه توقف نتيجة ضعف الإمكانيات، مضيفا أن ''العنف المنتشر بالمجتمع ناتج عن عدم التكفل به ليصبح ظاهرة اجتماعية عادية''·
وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث ''فورام'' افتتحت أبوابها سنة 1990 لتتوسع عبر التراب الوطني، وجاء مركز بن طلحة سنة 1998 بعدما تبرع رجل الأعمال حجاج بالفيلا لإقامة المركز الذي يتربع على 3 آلاف متر مربع، والذي يوفر عدة نشاطات من بينها التكفل النفسي بضحايا الأزمة الوطنية، حيث تمكن لحد الآن وطيلة 10 سنوات من التكفل بـ27190 طفل مصدوم، 2468 منهم سنة ,1998 في حين تم خلال 2007 التكفل بـكثر من 2127 طفل، كما يعمل المركز على مساعدة الأطفال على تجاوز الصدمة واستئناف الدراسة، مع تقديم تكوينات متعددة تشمل الإعلام الآلي والطبخ والطرز، كما افتتح المركز قسمين للأطفال واحد تحضيري وآخر لحضانة أطفال النساء العاملات، فضلا عن توفير مساحة وقاعة لمزاولة الرياضة ومكتبة للمراجعة وقاعة للموسيقى· بالإضافة إلى هذا يتكفل المركز بالأطفال اليتامى في إطار حملة ''كفالة اليتيم'' التي يستفيد منها دوريا 1000 يتيم يتم التكفل بملبسهم ومأكلهم في رمضان ولوازمهم الدراسية من خلال التبرعات المقدمة وفي مقدمتها تبرعات الهلال الأحمر الإماراتي·