الإتحــاد الأوربــي
مـقدمـة : يشكل الاتحاد الأوربي قوة اقتصادية كبرى، تعمل على تجاوز المشاكل التي تعترضها لتحقيق الاندماج الاقتصادي والسياسي والنقدي. ارتبطت نشأته بمعاهدة روما 1957، بين 6 دول لخلق سوق مشتركة، ثم تطور تدريجيا بعقد عدة معاهدات وانضمام دول أخرى، فأصبح في 1995 يتألف من15 دولة .
تعمل دول الإتحاد الأوربي على تحقيق الاندماج الاقتصادي وتشكيل سوق كبرى
1 ): نشأة المجموعة الاقتصادية الأوربية:
فقدت أوربا مكانتها الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى وأزمة 1929 الاقتصادية، وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية. وشعرت بضرورة توحيد جهودها. وتجلى ذلك في تأسيس عدة منظمات اقتصادية أهمها: المنظمة الأوربية للتعاون الاقتصادي،ا لتي أنشأت لتنسيق مشاريع الدول المستفيدة من المساعدات الأمريكية المعروفة بمشروع مارشال 1947. ثم تأسست في 1951 المجموعة الأوربية للفحم والصلب C.E.C.A . بين فرنسا وإيطاليا وألمانيا الغربية سابقا ودول البنيلوكس Bénélux الثلاث (بلجيكا، هولندا، اللكسومبورغ). وفي 1957 تأسست الأوراطوم EURATOM
( المجموعة الأوربية للطاقة الذرية ) من طرف دول مجموعة الفحم والصلب لتوحيد الجهود في مجال البحث واستعمال الطاقة الذرية. وتأسست المجموعة الاقتصادية الأوربية C.E.E . بموجب معاهدة روما في مارس 1957، التي تهدف إلى تحقيق اندماج اقتصادي بين الدول 6 الأعضاء، وخلق سوق مشتركة.
2 ): مرت المجموعة الاقتصادية الأوربية بأربع مراحل
وانتهت بتكوين الاتحاد الأوربي وهي:
ـ المرحلة 1:
( 1957 ـ 1969 ) خلالها بدأ تطبيق معاهدة روما بخلق اتحاد جمركي يهدف إلى تخفيض الضرائب الجمركية بين الدول الأعضاء لمدة 12 سنة، ثم إلغاؤها. وتم ذلك في 1969، واتفق على تعرفة جمركية موحدة مع الخارج. وفي مجال الفلاحة تم تطبيق سياسة فلاحية مشتركة P.A.C . منذ1962، لتنظيم سوق المنتجات الفلاحية. وساهمت هذه الإجراءات في تطور اقتصاد الدول الأعضاء، مما دفع دولا أخرى إلى الانضمام.
ـ المرحلة 2:
( 1970 ـ 1978 ) خلالها انضمت ابريطانيا وأيرلندة والدانمارك. كما تعرضت المجموعة إلى أزمتين: تمثلت الأولى في إلغاء الولايات المتحدة استبدال الدولار بالذهب في غشت 1971، وتحديد مجال تعويم العملات بالنسبة للدولار في حدود 4,5 % . وقررت المجموعة الأوربية وضع نظام نقدي أوربي بإحداث وحدة حسابية جديدة هي ( E.C.U . الوحدة الحسابية الأوربية ). أما الأزمة الثانية فهي أزمة البترول 1973، التي دفعت إلى تقليص حرية مرور البضائع. لكن دول المجموعة تجاوزت ذلك واستمرت في الاندماج بالاتفاق على انتخاب برلمان أوربي في 1979.
ـ المرحلة 3:
( 1979 ـ 1985 ) خلالها انضمت اليونان وتطور التعاون بين الدول الأعضاء بإحداث جواز سفر أوربي وسياسة موحدة للصيد البحري. لكن حدوث خلافات حول المساهمة في ميزانية المجموعة، دفع المجلس الأوربي لاقتراح مشروع السوق الكبرى وإعادة النظر في بعض بنود معاهدة روما.
ـ المرحلة 4:
(انطلاقا من 1986 إلى الآن ) خلالها انضمت إسبانيا و البرتغال 1986، ثم النمسا وفلندة والسويد في 1995. وفي هذه المرحلة تم الاتفاق على الفصل الوحيد A.U . الذي ينص على إنشاء سوق واسعة موحدة بين الدول الأعضاء دون حدود بينها، مما يسمح بتنقل الأشخاص والبضائع والخدمات والرساميل بكامل الحرية. ووقعت الدول الأعضاء معاهدة ماستريخت في 7 فبراير 1992، لخلق الاتحاد الأوربي بإنشاء الاتحاد الاقتصادي والنقدي ( U.E.M . ) و إنشاء بنك مركزي أوربي و وضع عملة موحدة EURO تحل محل العملات الوطنية. وتحقق ذلك في1999، حيث طبقت ذلك 11 دولة وبقيت ابريطانيا والسويد واليونان والدانمارك.
3 )مؤسسات التسيير:
أنشأت الدول الأعضاء مجموعة من المؤسسات تسهر على تنظيم الاتحاد وتحقيق أهدافه. ومنها المجلس الأوربي واللجنة الأوربية ومجلس الوزراء ومحكمة العدل والبرلمان الأوربي (أنظرص70)، وكلها تعمل على تحقيق الاندماج الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
يـشكـل الإتــحاد الأوربـي قـوة إقـتـصاديـة كـبـرى
يتجلى ذلك في صناعته القوية لوفرة المواد الأولية واليد العاملة المتخصصة وارتفاع مستوى عيش السكان والخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية وأهمية التركيز الرأسماي.إضافة إلى توفر وسائل المواصلات وأسطول تجاري كبير.
1) في مجال الصناعة:
يحتل الاتحاد الأوربي المرتبة الثانية في العالم حيث ينتج سنويا 2,4 م طن من الحديد و2,2 م طن من البوكسيت و131 م طن من الفحم الحجري و1987مليار كوس من الكهرباء. وتشكل دول المجموعة سوقا استهلكية هامة (حوالي 400م.ن.) نتيجة ارتفاع مستوى العيش، إضافة إلى التقدم التكنولوجي و وجود شركات قوية. كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع الانتاج الصناعي. وأهم الصناعات الكيماوية والمعدنية، حيث تنتج دول الاتحاد الأوربي56 % من الانتاج الكيماوي العالمي، و19 % من الصلب و11 % من الألمنيوم. بالإضافة إلى الصناعات الخفيفة المختلفة كصناعة السيارات 34 % من إنتاج العالم، والصناعة الفضائية وغيرها. لكن الصناعة ذات التكنولوجيا العالية مثل الصناعة الإليكترونية(م3ع) لازالت متأخرة حيث تستورد منها دول الاتحاد الأوربي أكثر مما تنتج.
2) في مجال الفلاحة:
يتوفر الاتحاد الأوربي على ظروف طبيعية ملائمة للنشاط الفلاحي؛ كالمناخ المعتدل والمتنوع والتربة الخصبة والسهول والأحواض الكبرى. واستفادت الفلاحة من التقدم الصناعي ومن إنشاء التعاونيات التي مكنت الفلاح من استعمال الأسمدة والمبيدات والمكننة. وبذلك ارتفع الإنتاج الفلاحي لدول الاتحاد حيث وصل نسبا هامة على المستوى العالمي: القمح 15 % ، الشعير24 % ، الخمور58,7 % ، الشمندرالسكري 38 % من الإنتاج العالمي. وبالنسبة للمواشي 11,7 % من الإنتاج العالمي للخنازير و6,1 % بالنسبة للأبقار و9,4 % بالنسبة للأغنام، و7 % بالنسبة للصيد البحري.
3) في الميدان التجاري:
تتجلى اهمية الاتحاد الأوربي في كونه يتوفر على أسطول تجاري كبير تصل حمولته 25 % من حمولة الأسطول العالمي، وعلى موانئ كبرى أهمها روتردام (م1ع) وشبكة هامة من الطرق البرية والنهرية. وتبلغ حصته في المبادلات الدولية نسبة 17 % (م1ع). وتمثل المبادلات بين الدول الأعضاء 4/1 المبادلات العالمية. ويتعامل الاتحاد الأوربي مع أغلب دول العالم، ويتميز بميزان تجاري متوازن مع باقي الدول المتقدمة، وإيجابي مع الدول المتخلفة. وأهم الصادرات: المواد الصناعية والفلاحية. واهم الواردات المواد الأولية والبترول والغاز الطبيعي ومواد فلاحية مدارية. كما يصدر الخدمات التي تمثل موردا ماليا هاما وخاصة إلى الدول النامية.
يـعـاني الإتـحـاد الأوربـي عـدة مـشـاكـل يـحـاول تـجـاوزهــا
رغم استفادة دول الاتحاد الأوربي من التعاون القائم بينها، فإنها تعاني عدة مشاكل أهمها:
ـ مشكل شيخوخة السكان:
أغلب سكان الاتحاد الأوربي يعيشون في المدن 85 % . ويشتغلون بالقطاع الثاني والثالث. ويتميز الهرم التسكاني بكثرة الشيوخ نتيجة تحديد النسل وخسائر الحربين العالميتين، حيث لايتعدى التكاثر الطبيعي 0,3 % مما دفع إلى جلب اليد العاملة من الخارج خلال الستينات والسبعينات. لكن نتيجة للتطور الصناعي واستعمال الآلة، برز مشكل البطالة وظهرت نزعات عنصرية لدى بعض الأوربيين تجاه الجاليات الأجنبية.
ـ مشكل التباين الإقليمي:
حيث نجد أقاليم بلغت درجة عالية من التصنيع وأخرى متأخرة. لذلك تم إحداث " الصندوق الأوربي للإنماء الجهوي " في1975، للقضاء على التباين بين الأقاليم. كما يظهر التباين أيضا بين الدول في القوة الاقتصادية، حيث تتفوق ألمانيا على باقي دول الاتحاد. ويظهر التباين بين الدول أيضا في مجال أجور العمال وساعات العمل، مما يدفع العمال إلى الهجرة إلى مناطق ذات أجور مرتفعة وعمل أقل.
ـ المشكل الفلاحي:
تعاني منه دول الاتحاد الأوربي لأن ظروف الفلاحة تختلف من بلد لآخر، وتكاليف الإنتاج أيضا باختلاف مستوى تكوين الفلاح ومدى استعماله للوسائل العصرية، مما يؤدي إلى اختلاف مداخيل الفلاحين نتيجة سياسة توحيد الأسعار داخل دول الاتحاد. أما سياسة دعم أسعار المنتجات الفلاحية للزيادة في دخل الفلاح، اصطدمت بمشكل فائض الإنتاج والتضخم. لذلك قررت الدول الأعضاء تخفيض أسعار المنتجات الفلاحية وتجميد الأراضي وتحديد حصص الإنتاج، مما يؤدي إلى تقليص المجال الفلاحي وبالتالي مداخيل الفلاح. كما تعاني دول الاتحاد مشكل الطاقة خصوصا وأن استهلاكها جد مرتفع بالدول الأعضاء، لذلك شجعت على تشييد أنبوب للغاز الجزائري عبر المغرب وجبل طارق. ويبقى مشكل العملة الموحدة مطروحا، حيث استمر التعامل بالعملات الوطنية إلى جانب الأورو إلى سنة 2002، والتي طبقت مع بدايتها سياسة العملة الموحدة ماعدا في ثلاث دول هي ابريطانيا والدانمارك والسويد.
خاتمة : رغم كون الإتحاد الأوربي قوة اقتصادية كبرى، يهدف إلى تحقيق الإندماج الاقتصادي التام بين الدول الأعضاء، فإنه يعاني بعض المشاكل يحاول تجاوزها.