عبد الله عبد الله مدير المنتدى
عدد الرسائل : 546 تاريخ التسجيل : 20/11/2007
| موضوع: مسيرة.. يقودها ملك الإثنين 10 نوفمبر 2008 - 22:34 | |
|
شعاع من التاريخ
مسيرة.. يقودها ملك
في تاريخ كفاح كل شعب, تبرز دائما على السطح شخصية أو عدة شخصيات تقود هذا الكفاح وتوجهه وترعاه حتى يتحقق النصر. والحسن الثاني ملك المغرب الراحل واحد من هذه الشخصيات, ارتبط تاريخه بتاريخ كفاح الشعب المغربي, منذ انقض الاستعمار على أرض المغرب, وحتى تحقق الاستقلال
عندما عاد من المنفى مع والده محمد الخامس عام 1955 كان يقترب من عامه السادس والعشرين ـ وحاول ممثلو الاستعمار الفرنسي أن يحيطوا به من كل جانب, على أمل أن يصوغوا هذا الشاب الصغير ويشكلوا منه بعد اعتلائه العرش ملكا يصبح في أيديهم دمية يحركونها كيفما يشاءون. إلا أنهم فوجئوا به قويا صلبا مثل أبيه, مناضلا مكافحا مثل جده السلطان الحسن الذي سمي باسمه ولعب دورا مهما في تاريخ النضال المغربي
غير أن الحسن الثاني كانت به حصانة ضد كل المحاولات. فهو وإن كان سليل أسرة ملكية ـ إلا أنه كان يحس بما يحسه الشعب في ذلك الحين. ولم لا؟ ألم تتفتح عيناه أول ما تفتحت على جنود المستعمرين وهم يفرضون الحماية على بلاده, ويحاولون أن يسلبوها الكرامة والاستقلال؟ ألم تتعود عيناه وهو يشب عن الطوق على رؤية جنود الاحتلال وهم يرتكبون في حق الوطن وفي حق الشعب كل أنواع الإذلال والجريمة..! ؟ وهل كان يمكن أن ينسى يوم جاء المقيم الفرنسي ومعه جنوده بدباباتهم يحاصرون القصر الملكي؟ لقد رأى بنفسه كيف اقتحم الجنرال جلوم بوابة القصر وانطلق إلى غرفة أبيه الملك محمد الخامس موجها له إنذاره بضرورة التنازل فورا عن العرش بدعوى تأييده المناضلين المطالبين بالاستقلال, فكان رد الملك (أنا جالس هنا بإرادة الشعب ولن أتنازل عن العرش إلا نزولاعلى رغبة الشعب نفسه وليس بارادة الخونة والمتآمرين). ولم يكن الحسن ولي العهد لينسى أن المستعمرين حملوه مع والده وأسرته كلها في الطريق إلى المنفى. وبرغم كل المضايقات التي فرضوها على السلطان في منفاه فإنها لم تزده إلا قوة حتى كان يقول لأبنائه: (تمسكوا بالصبر فالحق دائما ينتصر في النهاية). وكان هذا هو ما حدث بالفعل.. حين اضطرت فرنسا أمام قوة صمود الشعب المغربي إلى الاعتراف باستقلال المغرب واعادة السلطان من منفاه إلى عرشه
كان كل ذلك يملأ ذاكرة الحسن الثاني بعدأن تولى العرش خلفا لأبيه, فعمل كل ما يستطيع من أجل صالح شعبه, وكان صموده ونضاله حافزا لشعب المغرب على مواصلة السير معه على الطريق العربي والإسلامي, حين حقق عقد أول مؤتمر إسلامي عام 1969 بعد إحراق اليهود للمسجد الأقصى, وحين رأس القمة الإفريقية التاسعة ثم القمة العربية في الرباط حيث لعب دورا كبيرا في اتخاذ القرار التاريخي الذي اعتبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.لا يستطيع التاريخ أن ينسى المسيرة الخضراء التي خطط لها وقادها الملك الحسن الثاني, فقد سجل بنفسه ما دار في كتاب (ذاكرة ملك) حين قال: (في الثالث من مارس 1965 وبمناسبة عيد العرش, استقبلت بفاس السيد صوليس مسئول حزب الكتائب الإسباني الذي جاء ليمثل فرانكو في الاحتفالات وقلت له: أبلغ الجنرال بأنه لو رفض فتح حوار معنا فإنني سأبتليه بفيروس تقرير المصير في الصحراء التي تحتلونها! وسأطلب من الأمم المتحدة تقرير المصير في الإقليم وبما أننا لم نتلق أي رد على ذلك طرحنا رسميا في سبتمبر من نفس العام قضية تصفية الاستعمار بالصحراء. وحين لقيت الجنرال عام 1971 بمدريد رحت أشرح له أن مصلحة إسبانيا تكمن في أن يكون لها تعاون في المنطقة يطمئنها على الحماية الاستراتيجية لجزر الخالدات ويضمن لها ذلك التعاون الاقتصادي الذي يتطلع إليه سواء كان ذلك بالخيرات الموجودة على سطح الأرض أو بما في باطنها أو بثروات البحر وكانت إجابة فرانكو الوحيدة: (إن ما تطلبونه منا يا صاحب الجلالة عملية انتحارية, فلا أنا ولا إسبانيا مستعدان لذلك). ولقد أدركت من خلال المناقشات بانطباع أولي ألا وهو وجود هوة بين جيلين ترتب عليها عدم التفاهم في التحليل, كما أدركت أنه كانت تخونه القدرة على استشفاف المستقبل. فكان أن عرضنا القضية على المحكمة الدولية بلاهاي يقول الملك: (كان علي أن ألقي خطابا بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب وهي الذكرى التي تخلد تاريخ نفي الأسرة الملكية. ولم أكن أدري ماذا أقول في الخطاب. وحين استيقظت بعد أن خلدت للنوم من الارهاق استيقظت فجأة في منتصف الليل تراودني فكرة نفذت نفوذ السهم إلى ذهني. لماذا لا ننظم تجمهرا سلميا ضخما يأخذ شكل مسيرة؟ وهنا أحسست أنني قد تحررت من حمل ثقيل للغاية, خاصة وأن محكمة العدل الدولية قد أصدرت رأيها الاستشاري واعترفت فيه أن روابط البيعة كانت قائمة على مر العصور بين المغرب والصحراء هكذا كانت بداية تفكير الحسن الثاني للقيام بالمسيرة الخضراء. لقد خطط لها الملك بدقة وفي سرية تامة واستعداد شامل لمواجهة كل ما يتعلق بمسيرة شعبية تضم ثلاثمائة وخمسين الفا من الرجال والنساء. ويقول الملك: خلال الشهرين اللذين كنت أهيىء فيهما للمسيرة الخضراء كان هاجس واحد هو شغلي الشاغل, وكان يمثل في ذلك السؤال الذي ما فتئت أردده على مسامع جميع المحاورين: (ترى هل سيشبه الشباب المغربي المدلل الآن بمظاهر التقدم آباءهم, وهل ستكون لهم كامل الشجاعة لمواجهة الدبابات الاسبانية لو حدث ذلك؟ وكان كل من طرحت عليه السؤال يرد قائلا: (إن الشباب المغربي لم يتغير.. إنه من طينة نفس الشعب). وانطلقت المسيرة في الطريق إلى الصحراء. ولم يكن إرسال المغاربة في هذه المسيرة بالأمر الصعب بل كان الأكثر صعوبة التأكد من أنهم سيعودون بنظام وانتظام عندما يتلقون الأمر بالعودة وهم مقتنعون أن النصر كان حليفهم. وذلك هو ما حصل بالفعل يقول الملك: أحب أن أروي واقعة طريفة: فقد استقل صحفي إسباني سيارة أجرة من أغادير للحاق بالمسيرة الخضراء في طرفاية. وعلى بعد مائتي كيلومتر من أغادير سمع السائق خطابي الذي أعلنت فيه أن المسيرة قد أدت مهمتها وطلبت من المشاركين فيها العودة. فوقف السائق على الفور وعاد على أعقابه. فسأله الصحفي وهو في غاية الدهشة: ترى ماذا دهاك؟ فأجابه السائق: (لقد أمر ملكنا وقائدنا بالعودة وعليّ أن أمتثل لأمر سيدنا
وقد كان سليمان مظهر مجلة العربي الكويتية
| |
|