فضاء للتعلم والتواصل و الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء للتعلم والتواصل و الإبداع

6204
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 معاناة الداء والعذاب في أشعار السياب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
rachid ouhadi




ذكر
عدد الرسائل : 191
العمر : 36
المستوى الدراسي : 2bac l 4
المادة المفضلة : arabic
الهوايات : foot balle
تاريخ التسجيل : 28/11/2008

معاناة الداء والعذاب في أشعار السياب Empty
مُساهمةموضوع: معاناة الداء والعذاب في أشعار السياب   معاناة الداء والعذاب في أشعار السياب I_icon_minitimeالأربعاء 3 ديسمبر 2008 - 16:54

بقلم: د. حجـــــر أحمـــــد حجــــــر البنعلي
بدر شاكر السياب شاعر عراقي توفي سنة 1964م بعد أن أصيب بمرض خطير لا تعرف أسبابه ولا يعرف له علاج. إنه مرض يقتل خلايا الأعصاب فيصاب المريض بالشلل ويؤدي إلي الوفاة.
فمعاناة السياب وصراعه مع المرض العضال ووصفه لما يحس من ألم ويأس، زادتني عطفاً وحزناً عليه ورغبة في الاطلاع علي ما كان لديه. فقررت قراءة أشعاره وتحليل قصائده. وحيث إني سأنشر هذه الدراسة في حلقات (بين الطب والأدب) لزملائي الأطباء بشكل خاص، فلابد أن أنهج في هذه الحلقات نهجاً مألوفاً لدي ولديهم وذلك بالتركيز علي الأعراض والمشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية للمريض الشاعر.
لقد تعودنا نحن معشر الأطباء أن نبدأ سرد تاريخ مرض مريض لزملائنا في المؤتمرات الطبية أو الاجتماعات الاستشارية أو التعليمية بذكر السبب الذي جعل المريض يطلب العلاج. أي الشكوي الرئيسية للمريض حسب تعبير المريض نفسه. وهو عرف تراثي للأطباء لا زلنا نصر علي اتباعه.
فالشكوي المرضية الرئيسية للشاعر بدر شاكر السياب هي "الكساح" ويقصد بها ضعف الرجلين، والأصل اللغوي للكساح هو أن الإنسان إذا ثقلت رجله في المشي صار إذا مشي يجرها جراً كأنه "يكسح الأرض" أي يكنسها برجله وقد عبر شاعرنا عن كساحه حيث قال:
كسيحٌ أنا اليوم كاميتين،
أنادي فتعوي ذئاب الصدي في القفار:
" كسيحْ ٌ كسيحٌ وما من مسيح ".
ويا ليتني مت (2).
وقبل أن أبدأ في سرد مشاكل السياب المرضية لا بد أن أعطي القارئ نبذة عن حقيقة مرض السياب حتي يتمكن القارئ من المقارنة بين أعراض المرض عامة وما اشتكي السياب منه في أشعاره وكيف يؤثر المرض في المريض.
حقيقة مرض السياب
فمرض السياب يسبب تحلل خلايا المخ المسؤولة عن حركة عضلات الجسم. فينتج عن تحلل تلك الخلايا الدماغية ضعف وضمور في العضلات. وغالباً ما يبدأ ذلك في الرجلين واليدين. ويصاب المريض خلال 3-5 سنوات بصعوبة في النطق وبلع الطعام والتنفس. ويسمي المرض أيضاً مرض (لو جرنج) باسم نجم كرة (البيس بول) الذي مات بنفس المرض.
فأول ما يبدأ المرض يشعر المريض بضعف بسيط في العضلات المصابة، ويفقد الشخص التحكم التام بأصابعه أو يده.
فضعف عضلات الرجل يجعل المريض يتعثر ويسقط أثناء المشي. وضعف اللسان يجعل المصاب يتكلم ببطء، وضعف عضلات البلع يجعل البلع صعباً. وقد يصاب المريض بتقلص ورعشة في العضلات، وتيبس في الساق وسعال. كما أن الجسم ينحل. ويتعرض المصابون بهذا المرض للالتهابات الرئوية وفشل في التنفس بسبب كثرة ما يشرقون به من طعام وشراب.
وقد وصف لنا السياب الكثير من أعراض المرض المذكورة أعلاه في أشعاره، فقد وصف نفسه قائلا:
(يمشي علي عكازةٍ ويعثرُ)
وقال عن شلله:
(أحرّك الأطراف لا تطيعني، مشلولة).
وعن نحوله:
(أصابع غاب عنها لحمها)
وقال عن الرعشة:
(وعرّي عظامي فهي راعشةٌ).
وقال في قصيدة أخري:
جاءت لمرتجف،
علي السرير،
وراء الليل يُحتضرُ. ...
تلك نبذة من أعراض عاناها السياب فذكرها في أشعاره، وسأذكر في الفقرات التالية قصائده التي وصف فيها حالته المرضية بإسهاب.
فالمرض المذكور أعلاه يدمّر القدرة علي الحركة فقط، أما التّفكير والسّمع والبصر فيبقي علي حاله. فيمكن أن يشعر المريض بالحاجة إلي الحكّة في رجله، لكنه قد يستغرق 10 دقائق ليتمكن من بلوغ الهرش. والسياب الذي فقد الحركة لم يفقد قواه العقلية حتي ساعاته الأخيرة.
والحمد لله أن هذا المرض يعتبر من الأمراض النادرة نسبياً. ففي أمريكا والدول الغربية يشكل المرض بين 2-7 في كل 100,000 نسمة. وبين 5-10% من المصابين لهم أسباب وراثية للمرض. فالغالب أنه لا يعرف لهذا المرض سبب، ولكن يثار شك حول الفيروسات التي قد تكون مسببة له. كما لا يعرف له علاج حتي الآن.
بداية مرض السياب:
لم يؤرخ بدر في أشعاره السنة التي ظهرت عليه فيها أعراض المرض. ويذكر إحسان عباس (1) أن الشرطة في بغداد اعتقلت الشيوعيين بعد مظاهرات صاخبة وأودعتهم السجن. ولأن اسم السياب مسجل عندهم كشيوعي، مع أنه كان قد ارتد عن الشيوعية وكتب في الصحف ضدها، تم اعتقاله بينما كان في البصرة ونقل إلي بغداد وسجن مع الشيوعيين بين 4/2/-20/2/1961 بتهمة المشاركة في المظاهرات في بغداد! ولما أثبت أنه لم يكن في بغداد آنذاك أطلق سراحه. ويقول إحسان عباس إنه بينما كان في السجن "اضطرت دائرة الأمن إلي نقله من الرفاق (الذين أساؤوا إليه) ووضعه مع البعثيين. وإن البعثيين الذين دخل السجن معهم كانوا يقضون ليلهم وهم يداوون جراحهم وحروقهم لشدة ما يلقون من صنوف التعذيب حتي بلغ الأمر بأحدهم وقد تشوهت خلقته أن لف نفسه ببطانية وأحرق نفسه علي مرأي من السياب. وفزع الشاعر ذو الحس المرهف للموت يراه عياناً علي بعد خطوة، فانهارت نفسه. وخرج من السجن معتلاً، يظن أن الوهن في جسمه النحيل لأنه لا يقوي علي تحمل الآلام،
ولكن الوهن في الواقع صدمة نفسية عميقة تزلزلت لها أركان جسمه، وكانت بداية النهاية" (1).
ولقد ظن بدر وكذلك بعض من كتب عنه أن المشاكل النفسية التي واجهته سببت مرضه، وذلك لجهل الناس بحقيقة مرض السياب فلجأو إلي التكهن.
ويضيف إحسان عباس نقلاً عن علي السبتي "إن بداية الانحدار في صحة بدر إنما جاءت إثر مروره علي مقهي يجلس فيه بعض أصحابه القدامي من الشيوعيين، فلما حياهم لم يردوا التحية.. فأحس بجرح عميق وكآبة .. ومرارة. و في اليوم التالي حاول الوقوف علي قدميه فلم تسعفه قوته (1)
.وكانت تلك أيضا تكهنات من أشخاص لم يعرفوا أن السياب كان مصاباً بمرض متلف لخلايا الأعصاب، يزداد سوءاً بمرور الأيام حتي يقضي علي حياته.
ويذكر عيسي بلاطة (8) أن بدراً عاد إلي البصرة بعد الإفراج عنه لمواصلة عمله ولكن "في هذه الأثناء كانت صحة بدر في تدهور. وقد وجد صعوبة في تحريك رجليه كلتيهما وبدأ يشعر بالألم في القسم الأسفل من ظهره. فراجع الدكتور توما هندو في البصرة. وحصل علي "بعض التحسن". ولكنه كان يقول إنه يعاني من فقر شديد في الدم.
ولا شك أن "بعض التحسن" هو ما كان يقوله بدر بعد زيارة الأطباء بسبب التأثير النفسي لطمأنة الأطباء والممرضين، كما أنه قد يكون نوعاً من أنواع التفاؤل. "تفاءلوا بالخير تجدوه".
يبدو مما سبق أن أعراض المرض بدأت علي بدر سنة 1961م بعدما خرج من السجن، ولكن عيسي بلاطة نفسه يروي ما يدل علي أن المرض قد بدأ في السنة السابقة أي سنة 1960، حيث يذكر أن بدراً ذهب إلي بيروت لنشر مجموعة قصائده في شهر يوليو سنة 1960 وأقام فيها شهراً ثم عاد إلي العراق. وبعد عودته أعيد تعيينه في مديرية الاستيراد والتصدير (بغداد) في 16-8-1960 بعد أن كان قد فصل منها سابقاً، غير أنه علي ما يبدو لم يكن سعيداً بالحياة في بغداد. وكانت صحته قد بدأت تتأثر من ضغط العمل المضني والتوتر السياسي، فصار يشكو من ضعف عام ومن بعض الصعوبة في تحريك رجله اليمني. فراجع د. علي كمال أختصاصي أعصاب "فتحسنت صحته". ثم قرر أن يغادر بغداد، فاستقال من وظيفته في 22/1/1961 وانتقل بعائلته إلي البصرة (8).
إذن بدأ مرض السياب أولاً وبالتحديد في رجله اليمني في الفترة بين شهر أغسطس 1960 ونهاية ذلك العام. ولو تمعنا في أشعاره التي ذكر إحسان عباس (1) أنه كتبها سنة 1960 لبرزت منها قصيدتان تدلان علي يأسه من الحياة وشعوره بقرب أجله،
والقصيدتان هما (مرحي غيلان) و (تموز جيكور). يقول في الأولي عن طفله الصغير غيلان الذي لم يتجاوز الثالثة من العمر آنذاك، إن غيلان وريث دم آبائه، فهو يواسي نفسه، ويحاول إقناعها بأنه إذا مات فالموت ليس نهاية لبدر، ولكنه بداية حياة جديدة، فسيعيش بدر أو سيولد من جديد علي الأرض من خلال حياة ابنه غيلان:
يا سُلَّم الدم والزمان: من المياه إلي السماءِ
غيلانُ يصعدُ فيه نحوي، من تراب أبي وجدي
ويداه تلتمسان ثمَّ يدي وتحتضنان خدّي
فأري ابتدائي في انتهائي.
يا ظلّي الممتدَّ حين أموت، يا ميلاد عمري من جديد (19).
أما القصيدة الثانية التي كتبها في نفس العام (تموز جيكور)، فتدل علي أن فكرة الموت سيطرت علي عقله تماماً، وأدرك أنه لا أمل له في الشفاء، فوصل إلي قمة التشاؤم في تعبيره عن الحياة. أما "جيكور" فهي مدينة طفولته التي آلت إلي خراب بمرور الزمن، فإنه يتنبأ بأن العمار سيلحق بها، وستنهض من سباتها، ولكنه لن يكون فيها ليري نهضتها، بل سيكون في سجن القبر المظلم، حيث يصمت قلبه ولن ينهض من سباته، ولن يتحرك فيه إلا الدود. فالحياة في نظرته المتشائمة تسير إلي العدم ولا خلود إلا للموت:لو يُومِض في عِرْقي نورٌ
فيضيء ليَ الدنيا !
لو أنهض، لو أحيا !
لو أسقي ! آهٍ لو أسقي.
جيكور ستولد من جرحي،
من غصة موتي من ناري.
جيكور ستولد.. لكنّي
لن أخرج فيها من سجني
في ليل الطين الممدودِ
لن ينبض قلبي كاللحنِ
في الأوتار،
لن يخفقَ فيه سوي الدودِ.
لا شيءَ سوي العدم العدم،
والموتُ هو الموتُ الباقي (19).
في الحلقة التالية سأتناول حالة اليأس التي مني بها السياب مع بداية المرض وحالة مريض آخر أصيب بنفس المرض واعتراه شعور مماثل لشعور السياب.
* وزيـــر الصــــحة العـــــــامة
رئـيــــــــس مجـــــــلس إدارة مؤســـــسة حمـــــــــد الطــبيـــــــــة والعضــــــو المنتــــــــدب.
المراجع:
1. بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره: إحسان عباس (1983).
2. إقبال: بدر شاكر السياب. 3. رسائل السياب: ماجد السامرائي.
4. قيثارة الريح: بدر شاكر السياب.
5. البواكير: بدر شاكر السياب.
6. أعاصير: بدر شاكر السياب.
7. منزل الأقنان: بدر شاكر السياب.
8. بدر شاكر السياب حياته وشعره: عيسي بلاطة (1987).
9. قيثارة الريح: بدر شاكر السياب.
10. الهدايا: بدر شاكر السياب.
11. المعبد الغريق: بدر شاكر السياب.
12. بدر شاكر السياب ج1 ص19: إيليا حاوي.
13. أزهار وأساطير: بدر شاكر السياب.
14. إقبال وشناشيل ابنة الجلبي: بدر شاكر السياب.
15. Solomon: Handbook of Psychiatry
16. شعر بدر شاكر السياب: حسن توفيق.
17. K. Kiple: The Cambridge World hiof Human Disease
18. Harrisonصs: Principles of Internal Medicine 14th Edition
19. أنشودة المطر: بدر شاكر السياب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
معاناة الداء والعذاب في أشعار السياب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تواطؤ عربى رسمى وشعبى مع معاناة اخواننا المحاصرين فى غزة !!
» ثلاث رسائل من السياب إلى أدونيس
» غربال الذاكرة : بدر شاكر السياب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء للتعلم والتواصل و الإبداع :: المقررات و المناهج الدراسية :: اللغة العربية-
انتقل الى: