موضوع: مريم شديد من هي ؟ الجمعة 5 ديسمبر 2008 - 23:00
مريم شديد من هي ؟
قامت السيدة مريم شديد التي تعتبر أول امرأة مغربية وعربية فلكية تضع أقدامها فوق القطب المتجمد الجنوبي, حيث وصلت إلى هذه البقاع في إطار مهمة علمية واستكشافية، لتقوم أثناء ذلك بوضع العلم المغربي على هذه القارة المتجمدة، ليصبح بذلك أول الأعلام العربية التي ترفع على ما يعتبرها الكثيرون بأنها قارة العالم السادسة. وخلال هذه المهمة تمكنت مريم البالغة من العمر 36 سنة من نصب جهاز تلسكوب لاحتساب لمعان النجوم في محطة "كونكورديا" التي وضعت من أجل تمكين فرق البحث العلمي الدولية من إنجاز برامج أبحاث ومراقبة في عدة ميادين. السيدة مريم شديد، وفي تصريحات صحفية بعد عودتها من مهمتها التي أنجزتها مؤخرا في القطب الجنوبي, أنها توجهت إلى هذه المنطقة لوضع جهاز تلسكوب لاحتساب لمعان النجوم. كما تطرقت إلى مسار رحلتها الاستكشافية بمحطة "كونكورديا" التي تبعد بـ1100 كلم عن القاعدة الفرنسية "دومان دورفيل وبـ1200 كلم عن القاعدة الإيطالية "طيرا نوفا" وكذا إلى قساوة الظروف المناخية، مؤكدة أن مهمتها بالقطب الجنوبي قد كللت بالنجاح. من جهته أوضح الفلكي الفرنسي جان فيرنان, أن مهمة محطة "كونكورديا" تكمن في تمكين فرق البحث العلمي الدولية من إنجاز العديد من الأبحاث وعمليات المراقبة، ويدير فيرنان, بتعاون مع مختبر مغربي, المشروع المغربي الفرنسي "سيدار" الذي يهدف إلى مراقبة السماء من أجل اختيار أهم المواقع لوضع تلسكوبات قوية مستقبلا، ولأجل ذلك تم اختيار موقعين بسلسلة جبال الأطلس الصغير بالجنوب المغربي . وحول سبب اختيارها لهذا التوجه المهني الغريب عن البيئة العربية، ذكرت شديد أن شغفها بالبحث في مجال الفضاء كان منذ طفولتها. وتذكر أن أولى لحظاتها في التعاطي باحترافية مع علم الفضاء عندما قدم لها أخوها كتابا لعالم الفضاء "ألبير كيبلر". وتزامن ذلك مع استضافة هذا العالم بعد أيام قليلة في إحدى محطات الإذاعة المغربية، وكان ذلك بمثابة تحول كبير في حياتها للاهتمام بميدان الفضاء. وعند تحدثها عن هذه التجربة ذكرت مريم شديد أن درجة الحرارة بالقطب المتجمد الجنوبي كانت تصل إلى 54 درجة تحت الصفر، كما أن مهمتها العلمية تطلبت منها الاستقرار بقارة الثلج لمدة شهرين. ووفقا للسيدة شديد فإن الإقامة بالقطب المتجمد الشمالي تطلب استعمال وسائل نقل وملابس خاصة للحفاظ على درجة الحرارة المناسبة للجسم، إلا أنه وفي بعض الأحيان فقد أرغمت شديد وزملاؤها على نزع القفازات عند تثبيت بعض المسامير الدقيقة مما كان يتسبب للمشاركين في البعثة بآلام شديدة نتيجة البرد غير العادي بقارة الثلج. وتنتظر "شديد" عودة أخرى إلى القطب الجنوبي بعد سنة تقريبا من الآن قصد مراقبة نتائج اشتغال المرصد الذي تم تثبيته في إطار برنامج سيدار العلمي الفرنسي. وتعمل مريم شديد كخبيرة بمرصد كوت آزور لفيزياء الفضاء، وأستاذة محاضرة بجامعة نيس وهي حاصلة على دبلوم الدراسات المعمقة في الصورة في ميدان العلوم . وبدأت حياتها كباحثة في علم الفضاء ، حيث قضت 3 سنوات في مرصد "بروفانس العليا" الذي يضم كبار مناظر الفضاء في فرنسا. الجدير بالذكر أن علم فيزياء الفضاء بدأ منذ مدة يستقطب اهتمام العلماء من مختلف دول العالم الذين أقاموا في السنوات الخمس الأخيرة ملتقيات علمية دورية لتدارس أوضاع الطاقة في الفضاء ومعرفة حدود إمكانية التعامل معها. خاصة بعدما اكتشفت أجهزة الرصد الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" ذبذبات لانفجارات نووية في الفضاء تفوق حجم القنبلة التي ألقيت على اليابان في هوروشيما بآلاف المرات. وكان هذا الاكتشاف أواخر عام 1979 وأحدث هزة في مجال فيزياء الفضاء، ما جعل هذا الميدان يستقطب مئات العلماء والباحثين الفضوليين للتنصت ومراقبة ما يجري بعيدا عن كوكب الأرض بملايين السنوات الضوئية. وهكذا فالمغربية مريم شديد تعتبر اليوم واحدة من بين العلماء الذين يساعدون البشرية في اكتشاف أسرار الكون. لطالما كانت المرأة المغربية رائدة في مختلف المجالات بالنسبة للعالم العربي والإسلامي فقد كانت أول امرأة تسوق القطار وأول امرأة تفوز بالذهب الاولمبي وأول امرأة تتبوأ مراكز عالية في القضاء والبرلمان واللائحة طويلة وآخره مريم شديد. في ابتسامة مريم شديد فرح طفولي ربما هو نفس الفرح الذي تستعيد عبره حكاية أنها كانت أول فلكية مغربية وعربية تضع قدميها على القطب الجنوبي المتجمد، في إطار مهمة علمية واستكشافية. لم يكن المرور عبر سنوات التحصيل العلمي والمعرفة، والانتقال من المغرب إلى فرنسا لمتابعة الدراسة والتخرج باعلى الشهادات الجامعية والعلمية مفروشاً بالورود أمام هذه العالمة المغربية التي وُلدت قبل ستة وثلاثين عاماً بمدينة الدار البيضاء. تقول: «كانت لدي الرغبة والطموح، كما كان يسكنني حلم في أن أحقق الأمنية التي ظلت تسكنني. إننا حين نتعلق بشيء لا بد أن تكون لنا القدرة على التضحية في سبيله. وهي صغيرة، حين كان أساتذتها في مدينة الدار البيضاء يسألونها وزملاءها عن المهن التي يتمنونها في المستقبل، تتذكر مريم أنها كانت الوحيدة التي تقترح أمنية تثير الاستغراب في الصف، تقول «زملائي كانوا يتمنون أن يصيروا أطباء أو رجال شرطة أو ممرضين أو معلمين، أما أنا فكنت أتمنى أن أصبح عالمة فلك. في سنة 1990 حصلت مريم على دبلوم الدراسات الجامعية العامة في الرياضيات من جامعة الدار البيضاء، وبعد سنتين نالت شهادة الإجازة في تخصص الفيزياء، قبل أن تقرر الانتقال إلى فرنسا لتتعقب حلمها وتتابع دراستها بجامعة نيس، حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في علم الصورة في العلوم الكونية في العام 1993، وثلاث سنوات بعد ذلك حصلت على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جداً مع تهنئة من لجنة المناقشة. في فرنسا، كان على مريم أن تصارع على أكثر من واجهة لتأكيد ذاتها وتحقيق طموحها. فهي امرأة أولا، ومغربية ثانياً، وتتحدر من أسرة متوسطة الحال لا تتوفر لها الإمكانات الكافية لتمكن الابنة لمتابعة الدراسة، وهي بعد كل ذلك وقبله اختارت مساراً تكوينياً غير مألوف بالنسبة لكثير من بنات وأبناء جيلها وبلدها. حضرت مريم أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه بأكبر مرصد فلكي في فرنسا وهو مرصد يضم أضخم المنظارات، ليتم لاحقاً اختيارها ضمن أحسن علماء الفلك من أجل القيام ببعض المهمات العلمية الخاصة. وتتذكر أن هذا المرصد لم يكن متاحاً لباحثين وعلماء من خارج أوروبا وأميركا، ورغم أنها مغربية فقد تم اختيارها، مع أنها في إحدى اللحظات ظنت أن في الاختيار خطأ ما. بعد ذلك، قضت مريم شديد أربع سنوات في صحراء أتاكاما بالشيلي تقول: «عشنا قساوة الظروف المناخية: جفاف منقطع النظير، ولا وجود للنبات والحيوانات والأمطار، لكن كان هناك أكبر تلسكوب في العالم. في سنة 2002، وهو تاريخ عودتها إلى فرنسا، اتسعت دائرة الاستقرار والحلم أمام مريم، مع وظيفة عالمة فلك في المرصد الفلكي "للكوت دازور". بعد ذلك، شغلت منصب أستاذة بكلية العلوم بنيس، بعد ذلك، وجهت الدعوة لمريم شديد من طرف معهد بولير للذهاب في مهمة علمية تهدف إلى وضع تلسكوب فضائي لقياس إشعاع النجوم في القطب الجنوبي المتجمد، في عزلة تامة عن العالم، مع 8400 متر من الارتفاع عن سطح الأرض ونقص في الأكسجين، ودرجات حرارة تقل عن 80 درجة تحت الصفر وليل يدوم ستة أشهر دون انقطاع.
تتوقف مريم كثيراً عند دلالات رفعها للعلم المغربي في القطب الجنوبي المتجمد، حيث تقول إن «رفع العلم المغربي كان عنواناً على القدرات التي تختزنها المرأة المغربية وإصرارها على تغيير وضعيتها نحو الأفضل. كان ذلك خطوة نحو المستقبل، لكن من دون التفريط في الهوية ومقوماتها. الواقع أن المغاربة فاجأتهم الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية وهي تظهر العلم المغربي مغروساً في البياض المتناهي للقطب الجنوبي المتجمد من طرف عالمة فلك مغربية الأصل والهوى، بعد أن التصقت بذاكرتهم صور بادو الزاكي وهو يحمل العلم المغربي عقب مباراة المغرب والبرتغال خلال مونديال المكسيك، وقبل ذلك صور سعيد عويطة ونوال المتوكل حاملين علم بلادهم خلال مونديال لوس أنجليس، قبل أن يتبعهم هشام الكروج ونزهة بيدوان وآخرون. لقد كان احتفاء المغاربة بالعلم المغربي مغروساً في بياض القطب المتجمد الجنوبي وليس عبر المستطيل الأخضر وحلبات الجري لافتاً ورائعاً. هناك في أقصى الأرض، وعبر الخلاء المتجمد، تهيئ مريم «الكسكس» المغربي لأعضاء الفريق العلمي، وكان في ذلك بعضٌ مما يلخص حديثها عن الحرص على عدم التفريط في الهوية ومقوماتها، تقول «أنا مغربية قبل كل شيء. وكان لا بد أن أضع بصمتي وبصمة بلدي على هذه المهمة العلمية. يحمل «الكسكس» معاني الالتصاق بالهوية، مع الإشارة إلى أني هيأت «الكسكس» بلحم الكنغر، أما الراية فتلخص للانتماء وتؤكد عليه ورفعي للعلم المغربي كان لحظة اعتزاز ببلدي وتلخيصاً لما أشعر به وأحلم به. وأنا أومن بأن الدول العربية ليست أقل اهتماماً بالبحث العلمي من باقي دول العالم المتقدم. خلال حديثها مع «الشرق الأوسط»، ظلت مريم شديد، تتخلى، بين وقت وآخر، عن علم الفلك لتتحدث عن ما يشغل بالها كأنثى نجحت بإصرارها وتعلقها بحلمها في أن تعطي مثالا جميلا ونموذجاً فريداً من نوعه لما يمكن للمرأة المغربية والعربية أن تقدمه لبلدها وللعالم.