الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
لكل واحد منا مثل أعلى في حياته، وقدوة يقتدي به، يسير على أثره ويلزم طريقته، ويحلم في يوم من الأيام أن يكون مثله، وإذا سألنا هذا السؤال لفتيان اليوم الذين هم رجال الغد، لننظر أي نوع من الرجال سوف تستقبلهم الأمة في مستقبلها القريب، لوجدنا عجباً عُجاباً.
فقطاع كبير من أبنائنا سوف يُفاجأ بهذا السؤال، إنه لم يفكر بأنه سيكون يوماً ما عضواً فعالاً في المجتمع، ولا يتطلع لهذا اليوم ولا ينتظره بفارغ الصبر، كما كان الصبيان في زمن مجد المسلمين يفعلون!!
وفريق ثانٍ ستجد عنده إجابة جاهزة تقرأها في سلوكه، وهيئته، ومشيته، وطريقة حياته من قبل أن يخبرك بها، إنه يرتدي "تي شيرت" عليه صورة للاعب الفلاني، وهذا يغنيك عن الجواب، والآخر قد وضع صورة المغنية الفلانية على غلاف حافظة كتبه، وهذه كارثة أخرى لا تقل عن كارثة الفريق الأول.
والفريق الثالث سوف يقول لك إنه يريد أن يكون طبيباً كوالده، أو مهندساً كعمه، أو رجل أعمال ناجح كقريبه الفلاني، أو غيرها من النماذج الناجحة في الدنيا.
ونحن نريد لأبنائنا أن يكون لهم طموح في أمر دنياهم، ولكن لا ينبغي أن يكون هذا هو نهاية مطافهم، بل المفترض في الشبل المسلم أنه حتى وهو يتمنى نجاحاً دنيوياً فإنما يريده لخدمة دينه في المقام الأول، ثم إنك قد تجد من هو ناجح في الدنيا مضيع للآخرة، فهل يمكن أن تجعل منه مثلاً أعلى لك؟!
نعم، لو وجدت في والدك أو معلمك، أو أحد إخوانك الأكبر سناً في المسجد نموذجاً صالحاً للقدوة في أمر الدين والدنيا معاً فلا بأس أن تجعله مثلك الأعلى، أو بعبارة أدق اجعل منه قدوة حية واقعية فيما تراه عنده من أنواع العلوم المفيدة، والأخلاق الفاضلة.
ولكن يبقى المثل "الأعلى" من ذلك.
أننا نريد منك فتى الإسلام أن تتعرف على سيرة سلفك الصالح، وكيف كانوا في مرحلة حياتهم، وهذا ما نقدمه لك في سلسلة "أعلام في زمن الصبا"، نريد منك أن تكون في تطلعك لخدمة دينك كابن عمر-رضي الله عنه- الذي قدم نفسه للجهاد في غزوة أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، فردّه النبي -صلى الله عليه وسلم- لصغره.
ثم عاد في غزوة الأحزاب فقدم نفسه للجهاد وهو ابن خمسة عشر سنة، فقبله النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو أن تكون كمعاذ بن عفراء ومعوذ أخيه، ومعاذ بن عمرو بن الجموح الذين اشتركوا رغم صغر سنهم في قتل قائد المشركين يوم بدر أبي جهل -عليه لعنة الله-.
نريدك بعد أن تجعل من الكبار الملتزمين حولك قدوة أن تجعل من الصحابة -رضي الله عنهم- مثلاً أعلى، وفوق هذا أن يكون لك في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة امتثالاً لأمر الله (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب: 21)، فلا ينبغي أن تتأس إلا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن صار على طريقته من الصحابة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم اجتهد أن تكون أنت أسوة حسنة لغيرك فبهذا يعم النفع بفضل الله -عز وجل-.
وإليك بعض فوائد هذه الأسوة الحسنة باختصار وإيجاز.
- من فوائد الأسوة الحسنة:
1- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المثل الأعلى في الأسوة الحسنة في أخلاقه، وأفعاله، وأقواله، وسائر صفاته.
2- والمسلم إذا راقب الله -عز وجل- في عباداته، ومعاملاته، وأجراها وفق ما أمر الله، وأمر رسوله، كان متأسياً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
3- دليل الحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتأسى به.
4- إذا ظهر المسلم بمظهر المتأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبه الناس ووثقوا به، وجعلوه قدوة يُحتذى بها.
5- المسلم المتبع لنهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، المقتفي أثر السلف يجد في نفسه سعادة، لأنه يرى نفسه على بصيرة وهدى، وينظر بنور ويسير في الطريق الصحيح.
6- على العلماء أن يكونوا قدوة للناس في أعمالهم لأنهم موضع الأسوة.
7- في الأخذ بالكتاب والسنة اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
8- بالأسوة الحسنة يتحقق النجاح في مجال التربية.
9- في التشدد والتطرف خروج عن الإقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
10- التأسي يكون بنظر الإنسان إلى من هو فوقه في الدين، وفي الدنيا بالنظر لمن هو دونه.
11- من سن خيراً فاتخذه الناس قدوة وتأسوا به، كان له أجره وأجر من عمل بمثل عمله.