إن الله -تبارك وتعالى- أرسل إلى المسلمين خير الرسل وأنزل عليهم أحسن الأديان وأتم الشرائع وأكمل الرسالات، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة3] وقد ينسى بعض السفهاء من الأمة هذه الحقائق فيهون دين اليهود تارة ودين النصارى تارة أخرى، ويلجأون إلى الشرق تارة وإلى الغرب تارة أخرى، يقتبسون منهم شرائعهم وأديانهم وقيمهم وعوائدهم وطرائقهم، فلا غرو أنْ وُجِدَ آباء وأمهات؛ يأمرون أبناءهم وبناتهم بلباس زي الغرب والتكلم بلسان الغرب وحتى الاحتفال بأعياد الغرب.
إن موافقة غير المسلمين في أعيادهم دليل على ذوبان المسلم وفقدان هويته وضياع شخصيته، وقد أراد له رسوله صلى الله عليه وسلم أن تكون له شخصية متفردة متميزة عن غيره من أهل الملل والنحل، كما أن موافقتهم تكون من البدع المحدثة في ديننا، ولا شك أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن البدع صغيرها وكبيرها قليلها وكثيرها فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا»([1]) فانظر إلى كلمة سُنَّة جاءت نكرة؛ لتدل على أى سُنَّة مهما كانت وليست في الإسلام.
وقد كان من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن وقوع مثل هذا في أمته فقال صلى الله عليه وسلم: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَال:َ فَمَنْ؟!»([2])، و قال أيضًا: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَأْخُذَ أُمَّتِي مَا أَخَذَ الأُمَمَ وَالْقُرُونَ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ قَالَ: وَهَلْ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ؟» ([3]).
والتشبُّهُ بهؤلاء قد يوجب اللعنة من الله، فقد قال عنهم: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} [المائدة60] وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»([4]) فلينظر المسلم بمن يتشبَّه، أيتشبه بالصحابة والسلف الصالح وخيار الناس أم يتشبه بالكفار والمنافقين والفسقة من أبناء الأمة؟!.
فأعياد غير المسلمين مَنْهِيٌّ عن مشابهتهم فيها بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، فمن الكتاب ما تأوله غير واحد من التابعين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان72] فذكر مجاهد, والربيع بن أنس أنه أعياد المشركين، وكذا محمد بن سيرين وعكرمة بمعناه.
فقد سمَّاها الله زورًا لِمَا فيها من التحسين والتمويه؛ حتى تظهر بخلاف ما هى عليه في الحقيقة, وقد مدح ترك شهودها وهو الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذى هو عمل الزور لا مجرد شهوده؟!
وقد يظن بعض الناس أن موافقتهم في أعيادهم فيها من التوسعة على العيال, أو اكتساب الناس في البيع والشراء، وفي الظن الأول جهل بالشريعة، والثانى جهل بالعقيدة، فإن الله عندما نهى المسلمين عن السماح للمشركين بالاقتراب من المسجد الحرام في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة 28] وفي هذا تضييع لمصالح الدنيا من التجارة وتبادل السلع، إلا أن الله عقَّب ذلك بقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة27] فالغنى الحقيقى من الله تعالى، وليس الغنى بسبب غير مشروع -وهو أعياد الكفار- جائز، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
والمنصوص عليه الفطر والأضحى، وما لم يكن منصوصًا عليه فللناس فيه موقفان؛ موقف المنع لأنه بدعة, وموقف الجواز لعدم النهى عن منعه, ويحتج أصحاب الموقف المانع بحديث أنس قال([5]): قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» فكل ما سوى هذين العيدين بدعة.
وأصحاب الرأى المجيز قالوا: يُرد عليه بأن الحديث لم يحصر الأعياد فيهما بل ذكر فضلهما على أعياد أهل المدينة التي نقلوها عن الفرس؛ ومنها عيد النيروز في مطلع السنة الجديدة في فصل الربيع، وعيد المهرجان في فصل الخريف كما ذكره, وبدليل أنه سُمِّى يوم الجمعة عيدًا.
ويُرد على الرأى المجيز: بأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يقرهم على هذين العيدين ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة بل قال: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا» والإبدال من الشىء يقتضى ترك المبدل منه, إذ لا يجتمع بين البدل والمبدل منه البتة.
ونحن لم نر الآن لهذين العيدين أثرًا في حياة المسلمين؛ ولم نقرأ عنهما في كتب التراث، ولا سيما وأن الأعياد لها وقع في النفوس، وتَطَلُّبٌ لها دائم خاصة النساء والصبيان؛ لِمَا فيها من اللعب والبطالة، ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم لقوة مقتضيها في نفوسهم، وتوافر همم الجماهير على اتخاذها.
فعُلم بذلك أن نهي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان قويًّا ومؤثرًا في نفوس المسلمين؛ للمحافظة على الأمة الإسلامية من الذوبان في غيرها من أهل الملل والنحل، وأنه كان يسعى في دروسها وطموسها بكل سبيل.
ودل قوله صلى الله عليه وسلم على أن الشريعة قد حرمت علينا أن نشارك غيرنا في أعيادهم، سواء بالتهنئة أو الحضور أو أي صورة أخرى من الأقوال أو الأفعال أو الإقرار.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبى بكر([6]): «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا».
فدل قوله صلى الله عليه وسلم على أن الشريعة قد جعلت لنا أعيادًا نتميز بها؛ هما عيد الفطر وعيد الأضحى؛ لا يشاركنا فيهما غير المسلمين، ولا يجوز لنا أن نزيد عليهما أعيادًا أخرى؛ لأن الأعياد من المسائل الشرعية التعبدية التي لا يجوز الابتداع فيها، أو إحداث شيء غير ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد قسم بعض العلماء الأعياد إلى نوعين؛ دينيَّة ودنيويَّة.
فالدِّينيَّة تنقسم إلى منصوص عليها مثل: الفطر والأضحى، فهذا متفق عليه بين العلماء جواز الاحتفال به واللعب واللهو المباح بشرط ألا تنتهك حرمة، وألا ترتكب معصية.
وغير المنصوص عليه مثل: المولد النبوى، الإسراء والمعراج، الهجرة فللعلماء فيه قولان: الأول: المنع لأنه بدعة، الثانى: الجواز لعدم النص على منعه وقد تقدم الرد عليه.
أما الأعياد الدنيويَّة فتنقسم إلى قسمين؛ الأول: ما لا يَمُتّ إلى عقيدة فاسدة مثل عيد النصر، عيد الجلاء، عيد الثورة، قال بعضهم: وهذا جائز الاحتفال به ما لم تُنتَهَكْ حرمة أو ترتكب معصية.
وأرى -والله أعلم- أن الاحتفال بهذه الأعياد خلاف الأولى؛ لأن الصحابة -وهم خير الناس- لم يحتفلوا بعيد بدر أو عيد أحد أو عيد الخندق أو غيرها من أيام انتصاراتهم، أضف إلى ذلك أن اقتصاد البلاد لا يسمح بذلك، كما أن المسلم يضع أمواله -دائمًا- فيما يفيد وليس فى الحلوى والزينة التى أودت بنا إلى التخلف والتراجع الحضاري.
الثانى: ما يرتبط بعقيدة فاسدة مثل: عيد الحب، عيد الأم، شم النسيم فهذه الأعياد وأمثالها نشأت من عقيدة فاسدة كعقيدة الفراعنة المصريين ولها طقوس معينة مثل صنع أنواع معينة من الأطعمة، فهذا لا يُحتفل به ولا يُشارك فيه والمجاملة على حساب الدين والخلق والكرامة خطأ شرعيٌّ.
هذا، وقد ابتدعت الأمة هذه الأيام أعياد ميلاد؛ تقليدًا لأهل الكتاب ومضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام "فإن اتخاذ مولد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عيدًا -مع اختلاف الناس في مولده- لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحقَّ به منَّا؛ فإنهم كانوا أشدَّ محبَّةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منَّا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته، واتباع أمره وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بُعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإنَّ هذه هى طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، أما الحرصاء على أمثال هذه البدع -ومع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد- تجدهم فاترين في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلى المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلى فيه، أو يصلى فيه قليلاً"([7]).
وكذا أعياد ميلاد الأولياء (المولد) ومن المعلوم أنها بدعة منكرة وضلالة ظاهرة، ومن العجيب أن هؤلاء الأموات لم يكونوا يُقيمون لأنفسهم أعياد ميلاد في حياتهم، فلما ماتوا جاء أرباب البدع بهذه المنكرات والضلالات تقليدًا للنصارى مع أعياد ميلاد المسيح التي يقيمها النصارى في بداية العام الميلادى.
والأعجب من ذلك أنك لا تجد (مولدًا) واحدًا يُقام في فصل الشتاء بل جميعها فى فصل الصيف أو الربيع وكأن الأولياء لا يولدوا إلا في الصيف!.
وكذا أعياد الميلاد الخاصة التي يُقيمها بعض المسلمين في بيوتهم لأنفسهم أو لأبنائهم بالشموع أو بغيرها، فهذا من البدع المنكرة، وهى صورة واضحة من صور التشبه بغير المسلمين، ترجع إلى نقص الإيمان، وجهل بأحكام الشريعة، وتقليد أعمى بغير تفكر ولا تدبر.
"وأخيرًا قد يجزع بعض الدعاة والمصلحين من تلك المظاهر التي انتشرت في البلاد الإسلامية، ومن حق المخلصين أن يجزعوا لذلك، غير أن اللوم ليس كله على الجمهور -لمن عرف طبائع الناس- فاستقامة المجتمع تكون -دائمًا- بأمرين متلازمين: عقيدة قوية متغلغلة في نفوس الرعية، وراعٍ حازم يرى من واجبه الحيلولة دون انحراف الجماهير، ومن المؤسف أن مجتمعنا فقد هذين الأمرين منذ زمن بعيد".([8])
فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزق هذه الأمة الولاة الصالحين الحازمين، ويوفق الرعية للعمل بسُنَّة خاتم المرسلين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.