[[اليوم فتحت خزانتي الصغيرة، وأخرجت أوراق صفراء مهترئة، أفقدتها السنون نصاعة بياضها، ولعبت بها يد الزمان، أقبلت عليها
- على غير عادتي – ألتهم سطورها المبعثرة، وأستجلي منها خبايا الماضي، وأستعيد بعض اللقطات الضائعة من حياتي، هذه الحياة التي تكاد تشبه السحابة العابرة في فصل الصيف، لاغرابة في هذا فهي – حياة - ملبدة لا يوشك الرائي، أن يبصر منها شيئا.
- كانت أوراقي القديمة تنطق بصوت هامس، تداعب أحلامي المسمولة في عز حلاوتها، تثير موجة الأشجان الكامنة في إحدى زوايا اللاشعور. تزحف ذبذبات كلماتها الضوئية إلى مراكز ذاكرتي الواهنة، فتبعت الحياة في ذكريات طواها النسيان، وعشش عليها العنكبوت.
تتنوع الانفعالات التي تنتابني، ضحك، بكاء، صراخ، ألم،.. يرتد الماضي الضائع بكل بريقه، تشتد جدوة آواره، أراه في كل حرف، كل كلمة، كل سطر، وكأنه وليد جديد يحبو، تعانق كفاه وركبتاه الأرض لأول مرة.
تُختصر المسافات، يُختزل الزمن إلى الخلف. أنا الآن طفل بريء النظرات، غارق في نزق الطفولة، يحيط عنقي طوق فل، وتزيين ياقة قميصي بنفسجية قطفتها لي أمي من حديقتنا الصغيرة. أجلس عند مفترق الطرق، أنتظر اِبنة الجيران .. .تأتي ابنة الجيران ملتفة في روب حريري أبيض، مزين بالدنتيل، ترف على شفتيها القرمزيتين ابتسامة عذبة، ينطق بؤبؤا عينيها بمعاني الطهر، وتردد وجنتاها المضرجتان بحمرة الشفق، أنشودة الغروب، تمد لي يدها الصغيرة.. أقرأ خطوط حظها، وأمضي أهمس في أذنها بصوت دافئ العبارات.
ألا حقا ما أجمل أيام الصبا، وأحلاها، فهي أقرب ما تكون إلى ومضه مشرقة، تستمر أمد العمر في الأعماق تضيء النفس، وتُجمّل الروح، تستمر زادا للقلوب العطشانة للحنان، وغذاءا للأفئدة المحترقة بلهيب الأيام الكارة الفارة.
رعاك الله يا أوراقي المهترئة، فقد نفخت الروح فيما ظننت أنه مات، ونثرت بدور السلوى في ثنايا قلبي الكئيب وسرَيت بي إلى عالم البراءة السرمدي، وأخرجتيني من دنيا السديم والقتامة، ومنحتيني بعض الأمل لأحطم جبروت الملل المتفشي في كل أجزاء محيطي، وأنطلق في رحاب الدنيا الفسيحة، أحمل حريتي في كفي