طق طق طق .. طرقت مطرقة القاضي
الناس في صمت متأهبون للسماع ..
جلست الجراثيم في أنبوب زجاجي شفاف تتراقص أطرافها مرتعدة، والشهود مستلقون على الأسرة المتنقلة وقد أعياهم المرض.
طق طق طق ..
أيتها الجراثيم أنت متهمة بأنك تتسببين بإيذاء هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين أصبحوا صرعى آلام البطن والرأس والرشح والإسهال وغير ذلك من الأمراض الخطيرة ؟
صرخ أحد الجراثيم من داخل الأنبوب: بريء ياسيدي ... والله بريء !!!
طرق القاضي بمطرقته: طق طق طق
وقفز محامي الجراثيم وتحدث بكل حماسة: سيدي القاضي كيف تتهم الجراثيم بهذه التهم وهي أصغر وأقدم الكائنات التي عاشت على سطح الأرض، وخلال ما يزيد عن ثلاثة مليارات عام كانت الجراثيم وسيطاً في عمليات سمحت بوجود بيئة مناسبة لحياة كائنات أرقى، ومنها هذا الإنسان الذي يتهمها اليوم بهذه التهم.
قال أحد المرضى الذين وقعوا ضحية للإصابة بالأمراض التي تسببها الجراثيم، وهو مستلقي على أحد الأسرة وقد وصل كيس من الدم بشريان يده اليمنى:
سيدي القاضي إن هذه الجراثيم قد سببت لي فقر الدم، وأصبت بإسهال شديد وألام لاتحتمل .. و .. آآآه يا بطني، خذوني أريد أن أذهب إلى الحماااااااام.
أكمل أحد المرضى الذين كانو بقربه: ياسيدي القاضي العادل يجب اتخاذ أقصى العقوبات للحد من انتشار هذه الجراثيم المؤذية فهناك نحو مليون بكتيريا وعشرة ملايين فيروس في كل ملليلتر من مياه المحيط ومليار بكتيريا في كل جرام من الرسوبيات، يالطيف الطف بنا.
وهنا تدخل محامي الدفاع وقال: كيف لا ياسيدي والجراثيم البحرية تؤثرعلى المناخ، وتلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على التوازن بين عنصري الأكسجين والكربون على سطح الارض حيث تمتص الجراثيم ثاني أكسيد الكربون الذي يتحمل مسؤولية تفاقم ارتفاع درجة حرارة الأرض وتطرح غاز الأكسجين.
كما اكتشف العلماء ياسيدي أن بعض الجراثيم البحرية تحدُّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض بامتصاصها لغاز الميتان، وهو غاز يسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض .
لوَّح أحد المرضى بيده فهو لم يكن يستطيع الكلام جيداً، وتوجهت إليه الأنظار، وبدا أنه يريد أن يتحدث بأمر هام يدين الجراثيم.
أحه .. أحه .. كما ترون ياسادة فإن هذه الجراثيم قد سببت لي الزكام والسعال والحساسية المفرطة .. أحه أحه .. وغص صوته .. وضجت المحكمة، وبدأت الأصوات تتعالى وتهتف: جراثيم مجرمة، بكتريا مؤذية.
طق .. طق .. طق ..
قفزت إحدى الجراثيم والدموع في عينيها وقالت بصوت مرتفع مدافعة عن بني جرثوم: إن هذه الجراثيم التي تتهمونها تمد الأرض بالجزء الأكبر من الأكسجين الذي تتنفسونه ياسادة، إذ تطلق الطحالب والكائنات الدقيقة الأخرى في البحر نحو 150 مليار كيلوجرام من الأكسجين سنوياً.
ويعتقد العلماء أننا نحن الجراثيم يمكن أن نُستخدم في تطوير أدوية جديدة أو مصادر للوقود، كما تحافظ على خصوبة التربة.
إن البكتريا التي تقف أمامكم في قفص الاتهام هي التي تتعامل مع الغذاء الذي يدخل جسم الإنسان وتساعد على هضمه وتحويله إلى مواد تمدُّ الجسم بالغذاء والطاقة، وتستخدم بعض أنواعنا نحن البكتيريا في تصنيع أغذية يتم تخميرها، حيث إن عملية التخمير إنما هي عملية تتولى البكتريا القيام بها وكما أن البكتريا تساعد على إنتاج مواد علاجية مثل الأنسولين ومساحيق الغسيل.
وهنا وجه محامي البكتريا خطابه للقاضي قائلاً:
سيدي القاضي بعد هذا كله هل يمكن اتهام البكتريا بأنها السبب فيما أصاب هؤلاء المرضى ؟!
وهنا قام النائب العام ليخاطب القاضي قائلاً:
سيدي القاضي إن مايقوله محامي المتهم ليس إلا محاولة يائسة لاستمالة قلبكم والتهرب من الحكم العادل على هذا الكائنات الشريرة بالإعدام، ومحاربتها بالأدوية الفتاكة للقضاء عليها، وتخليص هذا الكوكب وسكانه من أذاها المستمر !!
وهنا ساد صمت مخيف، وبدأت الجراثيم ترتجف خوفاً من العقوبة القاسية التي طالب بها النائب العام.
وفجأة طرق القاضي بمطرقته قائلاً:
يؤجل الحكم للجلسة التالية، ويُدعى أحد الأطباء، وأحد العلماء المتخصصين لسماع شهادتهم في هذه القضية.