hasna_drg
عدد الرسائل : 39 تاريخ التسجيل : 05/02/2008
| موضوع: لغة العاطفة الثلاثاء 11 مارس 2008 - 22:00 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. سنذكركم أولا باسم البرنامج "الجنة في بيوتنا" وقد سميناه بهذا الاسم ليكون أقرب وصف نتذكر به أن بيتنا كالجنة، هذا البيت الذي كان الجميع يهربون منه، وكل منهم يبحث عن حجة للخروج منه، أصبحنا نريد أن نرجع إليه لنقابل بعضنا البعض؛ لأننا نفرح حينما نرى بعضنا البعض، ولأني أفرح حينما أجلس مع أبي، ولأني أحب أن أتكلم مع أختي، ولأني أنا وزوجتي نحب أن نتحدث معا. فالبرنامج كله يريد هذا الجزء، والذي لو تحقق فهو شيء كبير جدا لمستقبل أجيال، ولمستقبل بلاد، ولمستقبل أمة. لا يظن أحدكم أن هذا كلاما مبالغ فيه، أبدا والله فالأسرة إذا وقفت على قدميها، وإذا كانت متماسكة ، تستطيع أن تخرج رجالا ونساءً من الصفوة من وسط هذه الدنيا الفاسدة - مهما كان الخراب من حولها-، لذا نتكلم في كل حلقة عن موضوع مختلف، فتارةً عن الأزواج والزوجات، وتارةً أخرى عن الأب. اليوم نتحدث عن علاقة الآباء بالأبناء، فنتحدث عن الأب والأم، ونتحدث عن الشاب والفتاة، وعن أصل العلاقة وعما يجمعهم، وعن اللغة التي نتحدث بها مع بعضنا البعض، وهل اللغة التي نتحدث بها مع أولادنا هي: يا بنى مصلحتك في هذا الأمر، لغة المنطق، بالطبع يجب أن نتطرق لهذا الأمر، وإذا لم يقلها الأب فمن يقولها، وإذا لم يوجه الأب أبناءه فمن يوجههم؟ الهدف الأساسي من حلقة اليوم إرساء قاعدة أن اللغة الأساسية التي يجب أن نبدأ بها هي لغة العاطفة، ثم بعدها أي شيء آخر تريده: لغة العقل، لغة المنطق، لغة المصلحة – مصلحتك يا بني- لكن رقم واحد الذي نبدأ به: لغة القلب، ففي القلب شيء يحدث، فيساعد العقل على الاستيعاب. وعلى الرغم من أن هذه الحلقة موجهة للآباء والأمهات، إلا أنها تخاطب الشباب أيضا، وتسأله: أين هي عاطفتك لأبيك وأمك؟ ولماذا أغلقت قلبك تجاههما ووضعت سدًّا بينكما؟ فلتذهب لأمك ولتحتضنها وتقبل رأسها، وتدللها بكلمات حلوة. لماذا يا إخوتي نكبت عواطفنا، وكأننا قذفناها منذ زمن في بئر عميق، نحن اليوم نريد أن نقول إن أكثر ما يحرك العلاقات الإنسانية العاطفة، ولو أنك حاولت استخدام العقل، والمنطق، والمصلحة فقط فلن تنجح، والدليل أن هذه الطرق لم تأت بنتائج مع أولادنا. فحاول يا أخي استخدام العاطفة، حاول ولو مائة مرة، فبدون الطبطبة، ودون كلمة "أنا أحبك يا بني"، ودون كلمة "أنا أحبك يا أبي" ينقصنا الكثير. سبحان الله، فكأن الحضارة تتقدم والعاطفة تتراجع، كأن العاطفة لا تصلح إلا للحبيبة، أو العشيقة ونسينا أن الله سبحانه وتعالى خلق الأسرة لتكون مكانا لتفريغ هذه العواطف. فالهدف الذي خلقنا الله من أجله هو إصلاح الأرض، والله كريم رحيم، يعلم أن مهمة الأرض شاقة للغاية والسماوات والأرض أشفقن منها فبها الخير والشر وإبليس، فأنشأ الله لنا شيئًا ليكون سكنًسا لنا وطمأنينة فقال سبحانه: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا.." (النحل:80)، وطالما غرسنا في قلوبنا حب بعضنا البعض وأنشأنا عاطفة رباعية: زوجان يحبان بعضهما البعض، أمٌّ تحب أولادها، أبٌ يحب أولاده، أولاد يحبون آبائهم تتوفر لنا الراحة في مواجهة متاعب الحياة، وهذه قاعدة مدروسة منذ أيام آدم وحتى تقوم الساعة، وحقيقة واقعة، وهذه المشاعر الأربعة مغروسة في الكائن البشرى مادامت الشمس تطلع من المشرق وتغرب من المغرب. أضرب لكم مثلاً بشاب عمره ثمانية عشر عاما لديه مائة وحدة من المشاعر والعواطف، ولظروف معينة لا يستطيع أن يتزوج، فلولا وجود الكيان المسمى بالأسرة لاتجهت هذه المشاعر إلى الحرام. فبوجود الأسرة يستشعر دفئا عاطفيا حتى يحين ميعاد زواجه، فبعض هذه الوحدات المائة، وليس كلها بالطبع تكون موجهة داخل الأسرة، 20 وحدة للأم، 15 وحدة للأب، الأخت والعم والخال، ولو استنفذ ستين من المائة فهذا معدل معقول جدًّا. ولنتدارس معا بعض الحوارات التي تدور بين الآباء والأبناء حيث يقول الأب لابنه: "عندما كنا في مثل عمرك لم نكن نتصرف تصرفاتك هذه، كنا ندرك أين هي مصلحتنا؟ وبالتالي نهتم بدروسنا، بينما أنت لا تستذكر دروسك لأنك لا تعي مصلحتك، وعلى فكرة إذا نجحت فستنجح لنفسك، وأنا لن أستفيد من مذاكرتك شيئا، فأنت الذي سيذاكر، وأنت الذي سيستفيد"، وها هم الشباب يضحكون بينما كل كلمة قالها الأب صحيحة، فهو هنا تحدث مع ابنه بلغة المصلحة، ويجب عليه أن ينصح لابنه وإلا من سيفعل غيره؟ يقول الله عز وجل: "..قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا.."، فالكائن الوحيد الذي تمتد فترة تربيته إلى أكثر من عشر سنوات هو الإنسان، وانظر معي لبقية المخلوقات، شبل الأسد مثلاً يصبح قادرا على الصيد بعد سنة واحدة فقط يصبح بعدها حرًّا، بينما الإنسان يستغرق عاما ليتعلم الحبو وآخر ليتعلم المشي وهكذا، والسبب وراء مدة التربية الطويلة هذه احتياجه إلى شريط من الذكريات التي يعيشها مع الأسرة التي ستمده بالحنان والعطف وعدم القسوة؛ لأنه المخلوق المكلف بإصلاح الأرض. أما الابن فلن يرد على أبيه لكنه سيحادث نفسه قائلاً: "ومن أخبرك أنى أريد أن أنجح؟ لا فارق عندي بين النجاح والرسوب"! إذن هناك شيء مفقود، هذا النصح يجب أن يقال للابن حتى وإن لم يعجبه. لكن النقطة التي نتحدث عنها: كيف نقول هذا النصح؟ وبأي ترتيب؟ لذا يجب أن ننتبه للغة العاطفة في كلامنا، فإذا كنا نرفض من الابن حين نصحه أبوه أن يقول حتى في نفسه: "أف، سيعطيني أبى محاضرة الآن"، فنحن أيضا نرفض من الأب اللغة التي استعملها في حواره مع ابنه. مثال آخر للحوار: يقول أب لابنه: "أنا حريص على أن أمدك بالكثير من الخبرات التي لدي، ولديك فرصة ذهبية لتستفيد منها لكنك للأسف لا تفعل بل تلهو"، إن كل كلمة قالها الأب صحيحة، لكنها أيضا لغة العقل والمنطق والمصلحة، والمطلوب هذه الكلمات نفسها لكن مغلفة بالعاطفة. مثال آخر للحوار: أم تقول لابنتها: "أنا لا يعجبني التصاقك بأصدقائك هؤلاء، وقابليني إن نجحت وأنت مستمرة في صداقتك مع فلانة". كل كلمة قالتها الأم صحيحة، فهذه صديقة ستضيع ابنتها، لكن الفكرة: كيف تبدأ الحديث؟ وكيف تتحدث في هذا الأمر مع ابنتها التي ردت: "أصحابي ويعجبونني"؟ أو قد تكون قالت في نفسها: "ومن كنت يا أمي تصادقين وأنت في مثل سني؟" حتى هذا الكلام مع النفس حرام. وأنا اليوم أوجه كلامي للطرفين وبالأخص للآباء والأمهات لتغيير الطريقة، والبدء بلغة أخرى؛ لغة العاطفة، ونركز على القلب قبل العقل، فعلى الرغم من أن الأبناء قد بدأوا الدخول في مرحلة الشباب، وارتياد النوادي الرياضية، والجسم الضخم والوجه العبوس، فقلوبهم رقيقة، وهذه ليست طبيعة ابنك فقط بل كل الشباب، خلقهم الله هكذا، والبنات أكثر، فلا يغرنك المظهر الخارجي أو قلة كلامهم، فمن الداخل هو يحتاج عاطفة، وكأنك يجب أن تمر إلى عقله من خلال قلبه، وكأنه يخبرك: لكي أسمعك حدث قلبي. تخيل شخصا يفتح باب الشقة بالمفتاح، فلم يفتح الباب، كم مرة تظنه سيستمر في المحاولة، ثلاث، خمس مرات، لكن لا يمكن أن يظل يحاول عشرين سنة، وكل يوم يجرب المفتاح نفسه على الرغم من أنه لا يفتح الباب، بل سيحاول أن يغير المفتاح، ويستخدم طريقة أخرى. فإذا كنت تحاول منذ سنين استخدام الطريقة نفسها مع أبنائك ولا تفلح، فحاول استخدام طريقة أخرى، وجرب أن تبدأ بالعاطفة. انظر معي كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الشباب؟ وكيف كان الشباب يتعامل معه؟ وانتبه للمسات الصغيرة، فأحيانا الأشياء الصغيرة تحل مشاكل كبرى، فلا تستهين بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئا" ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق مبتسم. كان النبي ماشيا فرأى معاذ بن جبل، وعمره تسعة عشر عاما، فماذا يفعل النبي؟، لقد أمسك يد معاذ وشبك يديهما في بعضهما البعض وأخذا يسيران معا، وبعد قليل قال له النبي: "يا معاذ"، فقال له معاذ: "لبيك يا رسول الله"، قال: "يا معاذ، إني أحبك، فلا تنسى أن تقول بعد كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". والناس في المساجد، وفى البيوت بعد كل صلاة يحفظون هذه الكلمات لأن معاذ قصها للأمة كلها ولم ينسَها، والسبب في أنه لم ينسها: إمساك اليد وكلمة أحبك التي لا يمكن أن تجعلك تنسى الكلام الذي يليها.انظر معي لكلمة (لبيك، لبيك يا أبي، لبيك يا أمي)، وتخيل أن شابا يقرر أنه طوال شهر رمضان سيطيع والدته في كل ما تطلبه منه، هذا نوع من العبادة لله في رمضان، وسيعتبر أن هذا هو عربون العاطفة، فسيقولها بثقة وبحب، وانظر معي لتوجيه النبي المغلف. وأنتم أيها الشباب، يقول النبي: "لينوا في يد إخوانكم" وأنا أقول لك: لِن في وجه أبيك، ساعد والدك؛ عندما يمد يده إليك يجدك تتجاوب معه وتمد يدك أنت الآخر. كن شهما، وكن رجلاً، فو الله قد يكون وضع يدك في يد أبيك ومشيكما معا أغلى عند الله من صيام وصلاة نوافل شهور وشهور، لأن هذه تغيظ الشيطان وتطرده من البيت، بينما صلاة النافلة وأنت تتشاجر مع أهلك والبيت مليء بنكد ومشاحنات لن تأتى بالكثير. أتذكرون قصة جريج العابد، الذي كان كلما دخل في صلاة النافلة، تنادى عليه أمه فيقول: "يا ربي أمي وصلاتي"، فيفضل الصلاة، فتأتى في اليوم التالي تنادى عليه، وهو يصلى أيضا، فيقول: "يا ربي أمي وصلاتي" فيفضل الصلاة. يعلق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه القصة فيقول: "رحم الله أخي جريجًا، لو كان عالما لعلم أن إجابة أمه خيرا من صلاته"، فهو عابد وليس عالما. لذا ضع يدك في يد أبيك، ودعم كل صور العاطفة مع والديك، فلو جعلنا لغة العاطفة رقم واحد في علاقاتنا مع أبنائنا ستحل لنا مئات المشاكل، وتذيب الخلافات، فتبدأ الفضفضة، ويظهر الأب الصديق، ويصبح الاحترام والتقدير متبادل، ويزيد الحب، وتصبح البيوت كما خلقها الله لتكون الجنة في بيوتنا فعلاً. قصة أخرى: يقابل النبي "أبا أمامة" وهو صحابي عمره حوالي الستة عشر عاما، فيقول له: "يا أبا أمامة، إن من الناس من أراه فيلين له قلبي وأنت منهم، يا أبا أمامة إذا دخلت فسلم على أهل البيت تكن بركة عليك وعلى أهل البيت"، يقول أبو أمامة: "فوالله ما نسيتها منذ ذلك الحين".
انظر، هي الطريقة السابقة نفسها، هي طريقة واحدة: عاطفة، توجيه، وليس العكس. وليس كالأب الذي يقول لابنه: "إذا قدت سيارتك بهذا الشكل مرة أخرى ستموت، فاهم ستموت، وأنا أقول لك هذا لأني أحبك". هذا لا يجدي بل قدم المحبة قبل أي توجيه. قصة ثالثة: يقول ابن مسعود: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن – أي يحفظني ويكرر- يفعل ذلك ويده في يدي، وكفه في كفى". فنحن كنا دوما ننظر للنبي من الجانب العسكري في غزواته، لماذا لا ننظر له من الجانب الاجتماعي وكم هو رائع. قصة أخرى: سيدنا "ابن عباس" الصحابي، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره عند وفاة النبي ثلاثة عشر عاما، يرى النبي ابن عباس وعمره حوالي إحدى عشر عاما، ويلحظ فيه النبي الذكاء والموهبة، ونحن نحتاج لأناس يتفقهون في هذا الدين، فعندما يرى النبي ابن عباس قادما يفتح يداه ويحتضنه ويضغط عليه في محبة، ثم بعد ذلك يهمس في أذنه بدعاء لكن دعاء موجه: يقول: "اللهم فقهه في الدين، اللهم فقهه في الدين". كأنه يقول له: اذهب فتفقه في الدين، لكن بالدعاء أحلى. وبالفعل أصبح ابن عباس أفقه الأمة، وبعد عشرين عاما من دعوة النبي له أصبح ابن عباس المستشار الشخصي لعمر بن الخطاب خليفة المسلمين وأمير المؤمنين. وكان عمر بن الخطاب يقول أعوذ بالله من معضلة وليس فيها على ابن أبى طالب، وابن عباس. كل هذا بم تحقق؟ بحب، وضمة، وهمسة في الأذن غير مباشرة. ودوما كان النبي عندما يواجه موضوعات حساسة يمهد لها تمهيدا عاطفيا؛ فقد أتى النبي إلى بيئة بدوية صعبة ولم تكن الذوقيات قد علت بعد، وقد أتى الإسلام بنظافة ووضوء ونقاط حساسة كيف تتصرف في الحمام والاغتسال؟ وهناك أخطاء مازال الصحابة يقعون فيها، فماذا يفعل النبي؟ في المسجد؟ لقد قال: "أيها الناس اقتربوا، إنما أنا لكم بمنزلة الوالد لولده، أحب لكم ما أحب لنفسي، فإذا دخلتم الغائط فافعلوا كذا وكذا". ولا تظنن أنني لا أواجه مشاكل مع ابني فهو صعب المراس، لكن مهما قيل لي، فلن أغير كلامي فهي كلمة قالها الله عز وجل للنبي لننفذها على أنفسنا: "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران:159). فلنأخذها على بيتنا كما أخذناها على الأمم والشعوب، فلو أعملت العاطفة وشعر ابنك كم تحبه حتى ولو بنظرة عين وقد ملأ قلبه هذا الحب ستتفاهمان معا. هذا كلام للآباء والأمهات ، وعلى الشباب الذي يسمعني الآن أن يقرر أن يستجيب بل ويبادر إلى أبيه وأمه، فلو حدث هذا الحب ستصبح نظرة العين أقوى من ألف عقوبة. في غزوة خيبر، وصل الجوع بالمسلمين أن ربطوا على بطونهم الحجر، واتفقوا أن أي أكل يرد لهم سيقسمونه فيما بينهم، ووجد أحد الصحابة - واسمه "عبس بن جبر"- بعض الشحم وقطعة لحم متبقية من شاه، فنظر فلم يجد أحدا يراه فقال والله لا أعطي منه أحدًا، يقول فالتفت فإذا رسول الله أمامي، فنظر إلى وابتسم ابتسامة الحزين، وتركني وسبقته إلى الناس أقول: هذا هو اللحم، لكي يسمع النبي. فأحيانا كلمة: أنا مخاصمك تكون أشد من أشد عقوبة، لكن متى؟ لو تربينا على الحب، وإلا فلن تجدي أن تفعلها الآن مع أولادك وتخاصمهم لأنهم لا يشعرون بها. وهكذا كان الصحابة في المدينة؛ لأنهم كانوا يحبون بعضهم البعض، أتذكرون الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وأمرهم النبي بالخروج فلم يخرجوا؟ لذا وجب أن تكون عقوبتهم شديدة، فماذا كانت العقوبة؟ عدم الحديث معهم لمدة خمسين يوما، خصام خمسين يوما، فتنزل الآية فيهم: "..ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ.." (التوبة:118) تخيل لو أن هذه هي أكبر عقوبة في المنزل، وقد قالها الله عن يوم القيامة: "كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ" (المطففين:15) فأشد عقوبة يوم القيامة أنهم محجوبون عن الله تبارك وتعالى. أحد العابدين كان شديد الحب لله، ثم فعل معصية كبيرة، فتوقع أنه سيعاقب، فلم يجد من الله عقوبة، فأخذ يسأل نفسه: لماذا لم يعاقبني الله، فرأى في المنام ملك يقول له: ألم تحرم لذة مناجاة الله عز وجل؟ عقوبة الحرمان لمن يحبون بعضهم البعض أشد كثيرا من أي عقوبة. في أمريكا، أعدوا إحصائية على ألف فرد: خمسمائة أب وأم، وخمسمائة شاب. سألوا كل الآباء: هل تحب ابنك؟ فأجابوا جميعا: نعم، وظنوا أنه سؤال سخيف، بالطبع نحب أولادنا. وسألوا كل الأبناء: هل يحبك أبوك؟ بعضهم قال: أظن، والآخر:لا أدرى، والآخر: أحيانا، والبعض: طبعا، والبعض: ممكن. كانت أغلب الإجابات: طبعا أبي يحبني، لكنه لم يشعرني بها أبدا. هذا في أمريكا، ونحن لدينا العلاقات أدفأ بكثير، لكنها بدأت تتراجع. فلنتفق جميعا إخوتي، على أن نغير المفتاح، وأن نبدأ بالعاطفة، والشباب أقدر مني على إصلاح هذه النقطة. أقول لكل شاب: مد يدك إلى أمك وأبيك، قبّلهما، قبّل أيديهما، اعرض عليهما الخروج سويا للمشي معا في يوم من الأيام. قل لهم: منذ زمن أريد أن أصحبكم معي، اعبد ربنا لعلك تعتق في رمضان هذا العام بتقبيلك ليد أم أو أب، بفتحك قلبك لهما. تجد مشاعر بعض الآباء الرجال جامدة تجاه أولادهم، وفى هذا الموضوع أحكي لكم قصة: حينما كنت أعيش في لبنان، كان هناك سباق كبير يقام كل عام يشارك فيه شباب وبنات، فكان هناك ابن يشارك في السباق فطلب من أبيه الحضور وألح عليه، وكان الأب شخصا محترما صارما، فذهب لحضور السباق مرتديا (بدلة) كاملة، ووقف يشاهد السباق بكل وقار دون كلمة تشجيع واحدة لابنه، وفى اللحظات الأخيرة ارتفعت سخونة السباق وأوشك ابنه على أن يكون ضمن الفائزين الأوائل، فوجدت هذا الأب يفك الكرافتة التي كان يرتديها، وأخذ يجرى بجوار الحاجز، وانتعش فجأة، وأخذ يشجع ابنه: هيا، هيا، تشجع ستصل بإذن الله، والعرق يتصبب منه والناس مندهشين من التحول المفاجئ في تصرف الرجل الوقور الجامد، فنظر إليهم قائلاً: عفوا فأنا أب. بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحابة رأى الحسن والحسين - وعمرهما حوالي ثلاثة أو أربعة أعوام- يدخلان المسجد فيتعثران في جلابيبهما الطويلة، فينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ويقطع الخطبة، ويحملهما ويصعد بهما على المنبر وأخذ يكمل الخطبة ويقول للصحابة: "إن ابني هذان رأيتهما يعثران فلم يصبر قلبي حتى حملتهما" يا سلام يا رسول الله على العاطفة العظيمة- صلى الله عليك يا رسول الله، فلم يستح من إظهار هذه العاطفة في وقفة المنبر. طبعا لو فعلها أحد في بلادنا الآن سيستنكر الناس فعلته! فمن منا يقلد رسول الله؟ نحن نطلب من الآباء والأمهات أن يغلبوا لغة العاطفة ويتخلوا عن الجمود، وأنتم يا شباب أحذركم أيضا من الجمود فإذا اقترب أباك استجب، إن جمدت الآن في صغرك فماذا ستفعل في كبرك. وفى النهاية، نلخص ما سبق كله بتوجيه كلمة للآباء والأمهات في التعامل مع الشباب أن قاعدة اليوم ليعود التآلف الأسرى: لغة العاطفة قبل لغة العقل. | |
|
issmail al hafidi
عدد الرسائل : 689 المادة المفضلة : تلميد الهوايات : ديما نشاط تاريخ التسجيل : 03/12/2007
| موضوع: رد: لغة العاطفة الثلاثاء 18 مارس 2008 - 23:55 | |
| | |
|