rachid ouhadi
عدد الرسائل : 191 العمر : 36 المستوى الدراسي : 2bac l 4 المادة المفضلة : arabic الهوايات : foot balle تاريخ التسجيل : 28/11/2008
| موضوع: العاطفة في شعر الغزل الإثنين 1 ديسمبر 2008 - 19:46 | |
| يرتبط شعر الغزل في أذهان البعض بشعراء الصنعة أمثال بشار بن برد وأبي نواس وعمر بن ابي ربيعة , فيظنون أن شعر الغزل انما هو شعر المجون , أو ما يشبه المجون من ذكر محاسن أعضاء الجسم , والوصال واللذات واللمى والريق والخمر ...
والحقيقة أن هؤلاء لا يفهمون منزلة الغزل في الشعر , لان شعر الغزل أقسام:
فمنه ما كان مصدره العشق ,ومنه ما كان مصدره الوجدان من غير عشق خاص, حيث لا يتعلق الشاعر المتغزل بانسان معين وانما يفيض بوجدانه المتعلق بالجمال , ومنه غزل او نسيب الصوفية , ومنه الغزل المشوب بالمجون , وهناك انواع اخرى بين بين لانها تجمع طريقتين او اكثر .
وانا هنا لا أعنى بغزل الشهوان بل الغزل الروحاني العفيف الذي يترفع عن أوصاف الجسم , الا ما بدا للروح أثر فيه .فلهذا النوع من الغزل منزلة كبيرة في الشعر من حيث هو جماع العواطف التي تجعل المرء يحس الجمال احساسا شديدا في جميع مظاهره , سواء جمال الوجوه والاجسام ,او جمال الأزهار والأنهار , أو جمال البرق في السحاب , او جمال الليل ونجومه , او جمال النفوس والاخلاق ...وليست محبة الفرد للفرد الا مظهرا من مظاهر هذه العاطفة الواسعة .
ومن أحسن وأصدق ما قيل في الغزل الوجداني في اللغة العربية ما انتهى الينا من أشعار ابن الملوح وابن ذريح وابن الدمينة وجميل وأبو صخر الهذلي وابن الرومي وابن زيدون .., وأمثال هؤلاء يرشحهم النقاد لينوبوا عن الغزل العربي في معرض الغزل بين الأمم .
انظر مثلا الى قول قيس بن الملوح من قصيدة في التذكر والتمني
فوالله ما أنساك ما هبت الصبا وما غرد الغريد في وضح الفجر
وما لاح نجم في السماء وما بكت مطوقة شوقا على فنن السدر
الى ان قال :
تداويت من ليلى بليلى من الهوى كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
اذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها كما انتفض العصفور من بلل القطر
فهذا شعر صادق يدل على عاطفة صادقة تأخذ المألوف من مظاهر الكون من تغريد البلابل في وضح الفجر ومن هبوب النسيم .
وانظر قوله في القصيدة اليائية الطويلة :
وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
يقولون ليلى بالعراق مريضة فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
هي السحر لولا ان للسحر رقية وأني لا ألقى لها الدهر راقيا
وانظر الى صدق العاطفة عند ابن ذريح ايضا في قوله :
أحبك أصنافا من الحب لم أجد لها مثلا في سائر الناس يوصف
والى قوله :
تعلق حبي روحها قبل خلقنا ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح ناميا وليس اذا متنا بمنصرم العهد
ويسير في طريقتهما ابن الطثرية حين يقول :
أحبك أطراف النهار بشاشة وبالليل يدعوني الهوى فأجيب أحبك حب اليأس لو ينفع الهوى وان لم يكن لي من هواك طبيب ومن أرق ما يقول :
بنفسي من لو مر برد بنانه على كبدي كانت شفاء أنامله
ومثل هذا الشعر في صدق التعبير عن الاحاسيس النفسية شعر ابي صخر الهذلي الذي يقول :
لقد كنت آتيها وفي النفس هجرها بتاتا لاخرى الدهر ما طلع الفجر
فما هو الا ان اراها فجأة فأبهت لا عرف لدي ولا نكر
وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتها كما قد تنسي لب شاربها الخمر
واني لتعروني لذكراك هزة كما العضفور بلله القطر
ومن رقيق الشعر ايضا شعر ابن الدمينة
أرى الناس يرجون الربيع وانما ربيعي الذي أرجو نوال وصالك
أرى الناس يخشون السنين وانما سني التي أخشى صروف احتمالك
لئن ساءني أن نلتني بمساءة. لقد سرني أني خطرت ببالك
وهذا جميل بثينة ايضا ما اروعه حين يصف وداعها له
ومما شجاني أنها يوم أعرضت تولت وماء العين في الجفن حائر
فلما أعادت من بعيد بنظرة الي التفاتا أسلمته المحاجر
وللشاعر كثير أشعار عذبة كقوله :
وأدنيتني حتى اذا ما ملكتني بقول يحل العصم سهل الاباطح
تناهيت عني حين ما لي حيلة وغادرت ما غادرت بين الجوانح
أما ابن الرومي فله نسيب وجداني صادق ولكنه قليل ومنه قوله :
أعانقها والنفس بعد مشوقة اليها وهل بعد العناق تداني
كأن فؤادي ليس يشفي غليله سوى أن يرى الروحين يعتنقان
أما شعراء الاندلس فان أحسن قصيدة قيلت في الغزل عندهم هي قصيدة ابن زيدون النونية في معشوقته ولادة و التي يقول في مطلعها :
أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا , فما ابتلت جوانحنا شوقا اليكم ,ولا جفت مآقينا
ولسنا نرى في الشعر المعاصر اليوم مثل هذه العواطف الصادقة والاشعار الرقيقة ,بل تشعر وانت تقرأ غزل اليوم وكانما الشاعر قد اجهد نفسه في البحث في دواوين الشعر ليرى كيف يصف هذه العاطفة دون ان ينظر في نفسه وأحاسيسها وهواجسها وما يعتريها من أثر العاطفة , فيأتي الشعر باردا مصطنعا لا عذوبة ولا رقة فيه الا ما ندر , ولست أرى اليوم أرق ولا أصدق من غزل ولادة (شاعرة المسك ) حين تقول في قصيدتها ( رسالة الى ...)
وحق عينيك وما فيهما من غزل نور الليل المبرق
أهواك حتى ليس لي مهجة بها أوالي العيش أو أتقي
ولا بجسمي قطرة من دمي لم تختمر حبا ولم تعشق
ولا أرى غيرك في من أرى كأنما غيرك لم يخلق
|
| |
|