الوضعية المشكلة:نتأمل:
قالت السيدة نور(لينا سابقا)،أستاذة الحضارة و التاريخ،بعد اعتناقها دين الإسلام: (بعد ما آمنت بالله تعالى واحدا أحدا وبمحمد صلى الله عليه و سلم خاتما للأنبياء ، أحس أنني بالفعل آمنت بالمسيح حقا و صدقا).
وقال أحد الكتاب ( ربحت محمدا و لم أخسر المسيح).
نتساءل: هل يستلزم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الكفر بعيسى عليه السلام ؟
لماذا كان الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم يقتضي الإيمان بعيسى عليه السلام؟
ما العلاقة بين الإسلام و الشرائع السماوية السابقة؟
لماذا كان الدين واحدا و الشرائع متعددة؟
يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم للشتم من جهال اليهود والنصارى،فهل من الصواب الرد بشتم موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام؟
ما الذي يميز المسلم عن اليهودي و النصراني في نظرته إلى الأنبياء و الرسل؟
كيف ينبغي أن نتعامل مع المسالمين من أهل الكتاب في ضوء القرآن و السنة الصحيحة؟
مضامين النصوص الشرعية الأساسية :
* وردت لفظة الدين معرفة في الآية للدلالة على الحقيقة أي أن دين الله الحق الذي لا دين سواه ،هو الإسلام الذي يشتمل على كل معاني الطاعة و الإنقياد والتسليم و الإذعان ......
*سبب اختلاف أهل الكتاب في الدين بعد ظهور حقيقة الإسلام هو البغي و الجحود لآيات الله.
*مدى سلامة عبارة (الأديان السماوية) في ضوء الآية :
* عبارة الأديان السماوية مخالفة لمنطوق الآية التي تنص بوضوح على أن دين الله واحد وليس متعددا،وهو الذي يدين به جميع الأنبياء ،و الأسلم إذن أن نقول الشرائع السماوية أو الرسالات السماوية.
* اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون الرسالات السابقة على رسالة الإسلام الخاتمة ،محدودة بزمان معين وخاصة بأقوام بأعينهم تناسب حالهم وتعالج من المشكلات ما يثور في واقعهم .ذلك أن كل رسول جاء يعالج قضية محورية في قومه(الافتتان بالقوة المادية - الانحطاط الأخلاقي - الظلم الاقتصادي- الاستبداد السياسي - طغيان المقاييس المادية)بعد دعوتهم إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له.
* الدين واحد هو الإسلام وأما الشرائع فمتعددة نزلت متواكبة لتكمل معنى الدين بالتدريج،وشريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع التي اكتمل بها معنى الدين و تم، قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا).
*شبه النبي نفسه و الأنبياء معه، عليهم الصلاة و السلام،بالبيت الجميل الحسن.
*يرمز البيت الجميل الحسن إلى دين الله تعالى الذي هو الإسلام.
*شبه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في الحديث باللبنة المتممة و المكملة للبناء، والتي لولاها لظل البيت ناقصا.
*من أوصاف اللبنة في الحديث :
1. كونها من زاوية (أساسية).
2. كونها ضرورية لإتمام البناء.
3. كونها آخر لبنة فلا حاجة للبنة أخرى بعدها.
4. كون موقعها في البناء ظاهرا للعيان.
*هذه الصفات تنطبق تمام الإنطباق على محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته.
*الآصرة التي تربط الأنبياء و الرسل على الرغم من اختلاف أمهاتهم، هي آصرة العقيدة التي تنبني التوحيد ونبذ الشرك.
*العبارة الدالة على وجوب الإيمان بجميع الأنبياء جملة و تفصيلا هي قوله تعالى ( لانفرق بين أحد منهم)
*لايكون إيمان الإنسان صحيحا إلا إذا آمن بجميع الأنبياء و الرسل سواء من ذكر منهم في القرآن باسمه أو من لم يذكر باسمه ، لأنهم جميعا مبعوثون من قبل الله تعالى .
*سمى القرآن اليهود والنصارى أهل الكتاب احتراما لهم رغم اختلاف معتقداتهم عن عقيدة التوحيد الخالص، وهذه التسمية تدل على اعتراف الإسلام بغير المسلمين ما داموا يسالمون المسلمين ولا يعتدون على مقدساتهم.
*تنص الآية الكريمة على ضرورة معاملة أهل الكتاب بالتي هي أحسن وهذا لايمنع من إقامة الحجة على فساد عقائدهم ومطالبتهم بالبرهان.
*القاسم المشترك بين جميع الشرائع السماوية هو الإيمان بالله وتوحيده والدخول في دينه الذي هو الإسلام والإيمان بجميع الكتب المنزلة.
أ- في العلاقة بين الشريعة و الدين:
لماذا بعث الله الأنبياء و الرسل إلى الناس؟ * لدعوة الناس إلى دين الله
* لتبشير المؤمنين بالجنة
* لإنذار الكافرين بعذاب النار
* لإقامة الحجة على الناس
* لتربية الناس و تعليمهم
* لإخراج الناس من ظلمات الكفر و الشرك إلى نور الإيمان و الإسلام
تتفق الرسالات السماوية في: الدعوة إلى توحيد الله وعدم الإشراك به
الدعوة إلى مكارم الأخلاق
جلب المصالح و درء المفاسد
تختلف الشرائع السماوية في: تختلف الشرائع السماوية في الأحكام التشريعية التفصيلية الجزئية والتي تناسب بيئة و ظروف كل قوم
مكانة رسالة محمد صلى الله عليه و سلم بين الرسالات السماوية:رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية وفيها تمثل الدين الذي ارتضاه الله لجميع خلقه ،كما أنها ناسخة لها فلايجوز التدين بها وخاصة بعد تحريفها
العلاقة بين الشرائع السماوية و دين الإسلام في ضوء ما سبق: * جميع الشرائع السماوية السابقة مهدت لظهور الإسلام الشريعة الخاتمة
* تعدد الشرائع لايدل على تعدد الأديان فدين الله واحد لم يتغيرو لم يتبدل من لدن آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام
ب- دعوة الرسالات السماوية إلى التوحيد و عبادة الله :
*العقيدة التي دعت إليها الرسالات السماوية هي توحيد الله وإفراده بالعبودية والألوهية و الربوبية
*لم يحافظ اليهود و لا النصارى على عقيدة التوحيد ،بل نسبوا إلى الله تعالى البنوة ووصفوه تعالى بصفات غير لائقة...
*يتميز الإسلام عن الشرائع السماوية السابقة في مجال العقيدة بكونه حافظ على التوحيد الخالص من كل شوائب الشرك، وفي مجال الشريعة بكون أحكامه قائمة على التيسير ورفع الحرج
ج – الإسلام يدعو إلى ترسيخ قيم الحوار و التسامح مع أتباع الشرائع السابقة: القيم التي ينبغي أن تؤطر علاقة المسلمين بالمسالمين من أهل الكتاب:
· ضمان حريتهم في العقيدة و حماية أماكن عبادتهم
· الدعوة و الإقناع بالتي هي أحسن
· استثمار كل فرص الحوار لإبراز قيم الإسلام
· الحرص على تجنب كل أشكال العدوان على أصحاب الفكر المخالف ما لم يعتدوا
الدلالة العامة لهذه القيم:* هذه القيم دليل على قوة الإسلام وحجته و سلامة منطقه و إيمانه بالتعايش
مدى احترام المسلمين لهذه القيم في واقعنا المعاصر:* كان المسلمون في عهد النبوة و عصر الخلفاء الراشدين ومعظم فترات الحكم الإسلامي في الشرق و الغرب الإسلامي يحترمون هذه القيم في تعاملهم مع أهل الكتاب ،غير أن تكالب اليهود و النصارى على بلاد المسلمين واستعمارها و استنزاف ثرواتها والعدوان على الإسلام و شعائره ولد لدى العرب و المسلمين شعورا بالظلم ترتبت عليه ردود أفعال لاتنسجم دائما مع قيم الإسلام العظيمة.
مدى تجاوب الغربيين مع قيم الحوار و التسامح في علاقتهم مع الإسلام و المسلمين:* من الغربيين من يعترف بفضل الإسلام على الحضارة الإنسانية عامة و الحضارة الغربية خاصة ،دفع بكثير منهم إلى الدخول في الإسلام ومنهم من ظل رهين الثقافة الإستعمارية و الصليبية يثير الفتن ويدفع في اتجاه الصراع و الصدام بين الحضارات و خاصة مع الإسلام...
استنتاج:
* اعتناق اليهودي أو النصراني دين الإسلام لا يستوجب الكفر بأحد من الأنبياء أو الرسل السابقين، لأن هؤلاء كلهم أنبياء الله ورسله، ودينهم واحد هو الإسلام و إن تعددت شرائعهم.
* إن الإيمان بعيسى عليه السلام جزء لا يتجزأ من الإيمان بالرسل،الذي هو بدوره ركن من أركان الإيمان برسالة الإسلام وبالتالي فمن كفر بعيسى عليه السلام بطل إسلامه.
* لا يجوز الرد على أولئك الجهال بشتم الأنبياء الذين بعثوا في أسلافهم ،لأن موسى و عيسى من أنبياء الإسلام الذين تجب محبتهم و احترامهم والدفاع عنهم ضد تحريف أهل الكتاب لشرائعهم وسيرهم.و المسلمون أولى بموسى وعيسى من اليهود و النصارى .
* اليهودي لا يؤمن بسيدنا عيسى و لا بسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام، و النصراني لا يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتميز المسلم بكونه يؤمن بجميع الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام ولا يفرق بين احد من رسل الله.