المغاربة في العالم الجديد

في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت في أفريقيا (وتحديداً في موقع جمهورية مالي الحالية) دولة إسلامية قوية بسطت نفوذها على معظم الغرب الأفريقي . كانت تسمى «أرض الذهب والنحاس» بسبب ثراء أهلها وتعاملهم بقطع ذهبية خالصة تستخرج من جنوب البلاد . وأثناء حكم الملك موسى مانسا (بين عامي 1312 و1337) وصلت البلاد إلى أوج ثرائها وتحولت العاصمة تمبكتو إلى نقطة تجارية مهمة ومركزا مشهورا لنشر الثقافة الإسلامية..
وقبل ولاية الملك «موسى» كان هناك ملك يعشق البحر يدعى «الحاج أبو بكر» سمع من بعض البحارة المغاربة عن وجود قارة عظيمة غرب المحيط الاطلسي. وقد أفاضوا في الحديث عن ثرائها وغناها وخضرتها الكثيفة - التي كان الماليون يفتقدونها في بلادهم الصحراوية - .. وقد تملكه هاجس البحث عن هذه الأرض والاستيطان فيها فنظم عدة حملات لاستكشافها.
ولأن إمبراطورية مالي ظهرت في منطقة «صحراوية» لم تكن تملك الخبرة الكافية - أو حتى السفن القادرة -على قطع المحيط الأطلسي نحو الجهة الثانية من الأرض. وهكذا أرسل الملك أبو بكر عدداً من البعثات إلى مصر والجزائر لتعلم بناء السفن - كما استقدم عددا من الصيادين من بحيرة تشاد - لتنظيم الرحلة. وفي عام 1310 أرسل أول سفينة باتجاه «الغرب» يعتقد أنها وصلت إلى الجزر القريبة من أمريكا الجنوبية قبل أن تعود مؤكدة صحة الخبر. وفي العام التالي ذهب بنفسه ضمن حملة كبيرة أبحرت عبر نهر السنغال باتجاة المحيط الاطلنطي ووصل فعلا إلى مايعرف اليوم ببنما. وفي المرة الثالثة وصلت إحدى سفنه إلى سواحل البرازيل ودخلت إلى أعماق القارة عبر نهر الأمازون (حيث اختفت بلا أثر)!!.
.. هذه المحاولات الفريدة تثبت - مرة أخرى - وصول المسلمين إلى الأمريكتين قبل كولومبس بوقت طويل .. وكان المؤرخ العربي المسعودي وأبو حامد الغرناطي قد تحدثا عن بحارة عرب أبحروا نحو أراض جديدة خلف (بحر الظلمات) وعاشوا فيها فترة قبل أن يعودوا إلى المغرب في القرن التاسع الميلادي. وقد وردت سيرة هؤلاء المغامرين - وهم أبناء عمومة - في تحقيقات المؤرخ كراتشكوفسكي وتم التحقق منها عام 1952 في قسم الجغرافية في جامعة ويتواتر البرازيلية. وعلى هذا الأساس لا يستبعد استمرار المغاربة في الوصول لسواحل الأمريكتين على فترات متقطعة خلال القرون التالية (حيث سمع منهم الملك أبو بكر بوجودها)!!.
وكان الدكتور كمال النمر قد ذكر في كتابه (أحوال التربية الإسلامية في أمريكا) أن بعض البحارة المسلمين انطلقوا من الأندلس (عام 1150) واستقروا على شواطئ مايعرف الآن ب « البرازيل» .. كما وجدت في اسبانيا تقارير تعود لعام 1790 تتحدث عن مغاربة مسلمين هاجروا من إسبانيا - زمن الاضطهاد - واستوطنوا فلوريدا وجنوب لويزيانا وجزر الكاريبي .. ولعل بعضكم يذكر أنني استعرضت قبل عامين -أو ثلاثة - شواهد كثيرة تشير إلى أن المستكشف الأسباني كريستوفر كولومبس استعان في رحلته الشهيرة بمرشدين مغاربة (زاروا أمريكا من قبل) .. كما استعان المستكشف الإسباني فراماركوس دينيز بمرشد مغربي اسمه «اسطفان» قتله الهنود الحمر عام 1539 في نيومكسيكو أثناء اعتراضهم الحملة الإسبانية .. وقبل تعاونه مع دينيز كان المغربي اسطفان (وهو من قرية أزمور المجاورة للدار البيضاء) قد استكشف مع ثلاثة عرب ولاية فلوريدا لصالح حملة بانفيلودي نارفيز ثم استوطن أريزونا وكان ضمن أول ثلاثة أفراد عبروا القارة الأمريكية نحو الغرب ...
كل هذه الشواهد ترجح وصول البحارة المغاربة للقارة الأمريكية خلال فترات تاريخية متقطعة - كان آخرها ضمن حملة كولومبس ذاته - .. ومن ينظر اليوم لخريطة العالم يستغرب (عدم وصولهم إليها) خلال قرون من عيشهم على الجهة المقابلة من الأطلسي ..
.. حتى لو افترضنا حدوث ذلك من خلال سفينة تائهة جرفها «تيار الخليج» نحو سواحل الأمريكتين.