علاجه التوعية والتشجيع على الحوار ... «العنف» بين الأخوة الصغار مصدره الوالدان... والتلفزيون
كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها الأهل والأبناء والبنات، عن تصرّفات عنيفة يمارسها الاخوة الصغار بعضهم على بعض، وخصوصاً الأكبر من بينهم على الأصغر. ولعلّ السبب الأبرز تحميل الأول «مسؤولية» الاهتمام بالثاني، وهو الأمر الذي يؤخذ على أنه «سلطة» (ولكن، في يد ولد!).
وفي جولة على مجلات ومواقع إنترنت تتخصص في شؤون تربية الأولاد وتقترح سبلاً لرعايتهم، تطالع الزائر رسائل مختلفة ومتنوّعة يبعث بها الكبار والصغار إلى متخصصين، ويأملون في أجوبة تساعدهم على تخطّي مشاكلهم «الصغيرة».
والأهل ليسوا غرباء عمّا يحصل لهم كل يوم، مشكلات ومشاكسات، تبقى مجهولة الأسباب، يعالجها الكبار بما تيسّر لهم من صبر وجلد وتعقّل، فإذا نفدت منهم هذه المزايا، توجّهوا نحو ممارسة سلطتهم «قسراً».
وفي عصر يمتلك الصغار مهارات التعامل مع وسائل الاتصالات، وينعمون بحرية في التواصل وطرح مشكلاتهم على آخرين، غير الأهل، أخذت المطبوعات الورقية والإلكترونية تنشر المشكلات التي تقع بينهم وبين اخوتهم، ويقترح المتخصصون والمربون لديها السلوك الأنسب. ففي مجلة «بسيكولوجي» الفرنسية، (عدد تموز/يوليو – آب/أغسطس، الأخير)، وفي زاوية مخصصة لطرح مشكلات الصغار في ما بينهم، تتساءل الطفلة زويه (9 سنوات): «لماذا أضرب أخوتي الصغار من دون تفكير؟ لقد ضقت ذرعاً من كوني شريرة معهم».
ويأتيها الجواب من الخبيرة كلود ألموس، المتخصصة في هذه الزاوية، لينزع أولاً عن الفتاة صفة «الشريرة» التي نعتت نفسها بها. وتعطيها الحق في أن تتضايق منهم وتتذمّر، فهذا «أمر طبيعي»، فاحترام (الصغار) مواقع الآخرين (الأكبر سناً) في الأسرة هو أمر غير يسير. وتحترم ألموس رغبة زويه في ضرب اخوتها، وتنصحها بعدم تكرار الأمر، فالعراك أو الضرب ليس وسيلة لحل المشكلات، ولا طائل منه، أصلاً. وللكف عن ذلك، ينبغي لزويه الصغيرة أن تبذل جهوداً، بمساعدة الوالدين اللذين يساعدان في ضبط الوضع. فالصغار يقدمون على إزعاج الأكبر منهم لأنهم يشعرون بأنهم يحظون بحماية الوالدين. وعلى الأخيرين، إذاً، وضع حدود بين كل الأبناء، فصغر السن لا ينبغي أن يمنحهم حماية تلقائية...
وتطول لائحة المشكلات، وتصل أسبابها إلى حد «الغرابة». فالصغار بين الثانية والعاشرة من العمر، كما يعرف الأهل، يتشاكسون ويتضاربون على مسائل تتعلّق بالمال، والاستئثار بالكومبيوتر والألعاب والحيوانات الأليفة، وبسبب الغيرة والشعور بعدم المساواة في المعاملة... وإلى ما هنالك من أسباب قد تبدو تافهة للأهل، إجمالاً، ولكنّها عزيزة على الصغار.
ويكاد يجمع المعنيون بتربية الأولاد، كما جاء في موقع «أي فيليدج» المتخصص، ivillage.com، على صعوبة التوفيق بين الاخوة الصغار وحضهم على سلوك صحيح، ربما لأن لا معيار واضحاً للصحة. وخصوصاً إذا تسللت الغيرة إلى الأكبر سنّاً بين الأولاد.
وقد يكون الضرب، أو توسّل «العنف»، طريقة للفت الانتباه إلى الأكبر سنّاً ليحظى بالرعاية والحنان اللذين يأمل فيهما من والديه. ولكنه أيضاً تعبير عن الغضب حيال أخيه الصغير (أو أخته). ويمكن مقاربة الحل بطريقتين.
تقضي الأولى بالتفرّغ قليلاً للولد الأكبر وإمضاء وقت أطول معه. وعليه أن يشعر بأهميته، من خلال اصطحابه إلى متجر، أو في نزهة... أو أي مناسبة تكون «خاصة» به، مع جعله يُدرك ألاّ يعتبر ذلك من قبيل «التمييز ضد الولد الأصغر». والطريقة الثانية تقضي بالتحدّث مع الولد الأكبر عن الشعور بالغضب، لجعله يروّح عن مكبوتاته.
العنف بين الوالدين هو أيضاً من الأمور التي تدعو الاخوة إلى ممارسته. والسبب وراء تسرّب الرغبة في ممارسة العنف إلى نفوس الصغار، بسيط، ويعود إلى التمثّل بالوالدين، وتقليد تصرّفاتهم، من دون وعي العواقب. وفي هذه الحال، على الأهل أن يسارعوا إلى معالجة مشاكلهم، وعزلها عن عالم صغارهم.
تأثير الإعلام المرئي
لم يحسم بعد تأثير وسائل الإعلام، المرئية منها بخاصة، في تزايد حالات العنف بين الصغار من أفراد الأسرة. وهناك رأيان متناقضان حول هذه المسألة. الأول يستند إلى أدلة عمرها نصف قرن من الحياة اليومية، ويقول إن التعرّض للعنف عبر وسائل الإعلام يدفع الصغار إلى التصرّف بعنف، ما يؤثّر فيهم عندما يبلغون سن الرشد. والرأي الثاني ينفي أي دليل «علمي» يُثبت أن مشاهدة العنف عبر الشاشة يولّد رغبة في العنف لدى المشاهدين، أو يزيدها، كما في بحث حول العنف في الإعلام وتأثيراته، نُشر في موقع «شبكة مراقبة وسائل الإعلام» الكندي، media- awareness.ca.
إلا أن البحث في هذه المسألة لا يزال مستمراً، على رغم أنها ليست محسومة. والتجارب «المختبرية» على مجموعات من الصغار أدّت، بدورها، إلى نتائج متناقضة، فمنها من تأثّر بمشاهدة العنف «المصوّر ونقله إلى الواقع، بينما تأثّر آخرون بالعكس، وكأن تلك المشاهد أحدثت نوعاً من «التطهير» في نفوسهم. وفي كل الأحوال، وإذا ثبت ذلك أم لم يثبت، آن الأوان لأخذ مساوئ التلفزيون في النفس على محمل الجد، والتفتيش على حلول ووسائل أخرى أكثر حيوية وإنسانية، وذلك بعدما ثبت ضرره على الجسد وأصابه بالخمول والكسل وحال من الاتّخاذ... والعقل السليم في الجسم السليم!
دار الحياة.