شكَّ أن للسؤال و الجواب شروط و آداب ، كما و لا شك أن للسؤال الهادف و المدروس و للإجابة المتقنة الخالصة نتائج إيجابية عظيمة جداً إن أُخذت الشروط و الآداب و الأهداف بعين الإعتبار و الجِد من قِبَل السائل و المُجيب .
وجوب السؤال و ضرورته :
السؤال واجب على من لا يعلم ، فقد قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ ... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾[1] ، فالسؤال واجب على من لا يعلم ، و تركه فيما يجب قد يؤدي إلى نتائج خطيرة جداً لا تُحمدُ عقباه .
فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنه سُئلَ عَنْ مَجْدُورٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَغَسَّلُوهُ فَمَاتَ ؟
قَالَ : " قَتَلُوهُ ، أَلَّا سَأَلُوا ، فَإِنَّ دَوَاءَ الْعِيِّ [2] السُّؤَالُ " [3] .
و قالَ الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) لِحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ فِي شَيْءٍ سَأَلَهُ : " إِنَّمَا يَهْلِكُ النَّاسُ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ " [4] .
السؤال كنز عظيم :
رُوِيَ عن النبي المصطفى محمد ( صلى الله عليه و آله ) أنه قال : " العلمُ خزائن و مفاتيحها السؤال ، فسألوا يرحمكم الله ، فإنه يؤجرُ فيه أربعة : السائلُ و المُجيبُ و المُستمعُ و المُحبُ له " [5] .
وَ رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أَنهُ قَالَ : " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ عَلَيْهِ قُفْلٌ وَ مِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ " [6] .
سَلْ تَفَقُّهاً :
السائل الصائب هو من لا يسأل إلا بغرض تنمية المعرفة و زيادة العلم ، و يتجنَّب طرح الأسئلة السخيفة ، أو التي ليست لها قيمة علمية أو معرفية ، فقد قَالَ أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ مُعْضِلَةٍ : " سَلْ تَفَقُّهاً وَ لَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً [7] ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ ، وَ إِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ [8] شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ " [9] .****////*******////
وَ سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ [10] ( عليه السلام ) عَنْ طَعْمِ الْمَاءِ ؟ !
فَقَالَ : " سَلْ تَفَقُّهاً وَ لَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً ، طَعْمُ الْمَاءِ طَعْمُ الْحَيَاةِ " [11] .
فلذلك ينبغي على السائل أن يتوخى النفع و الفائدة من سؤاله ، كما ينبغي عليه تجنب طرح الأسئلة التي لا أثر لها في حياته الدنيوية أو الأخروية ، و لا تجلب له نفعاً معنوياً أو مادياً .
فقَد رَوَى الإمام موسى بن جعفر ( عليه السَّلام ) أنَّهُ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) الْمَسْجِدَ فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا [12] بِرَجُلٍ .
فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟
فَقِيلَ : عَلَّامَةٌ .
فَقَالَ : " وَ مَا الْعَلَّامَةُ " ؟
فَقَالُوا لَهُ : أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَ وَقَائِعِهَا وَ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَ الْأَشْعَارِ الْعَرَبِيَّةِ .
قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : " ذَاكَ عِلْمٌ لَا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ ، وَ لَا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ " .
ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : " إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ : آيَةٌ مُحْكَمَةٌ ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ ، وَ مَا خَلَاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ " [13] .
و عليه فينبغي للإنسان المؤمن أن يغتنم ما تُتاح له من فرص التعرُّف على العلماء و المفكرين أحسن إغتنام لطرح سؤال من شأنه أن يُساهم في تنمية معلوماته و زيادة علمه أو يُساهم في نشر الثقافة الإسلامية و يحلَّ مشكلة من مشاكل عصرنا الحاضر ، خاصة و أن الأمة الإسلامية تواجه اليوم تحديات كبيرة و هجمات شرسة من قبل الأعداء ـ لم يسبق لها مثيل ـ تستهدف أصول عقيدته و فروعها ، كما و تستهدف كل ما تبقى له من قيم دينية و أخلاق نبيلة و صفات إنسانية رفيعة .
و هنا لا بُدَّ لنا أن نُذكِّر الذين ينظِّمون المسابقات العلمية أو الدينية أو الإجتماعية سواءً في البرامج التلفزيونية أو المدارس أو المؤسسات الدينية أخذ ما أشرنا إليه بعين الإعتبار ، و نطلب منهم التأمل في ما يطرحونه من أسئلة خشية أن تضييع أوقاتهم و أوقات الناشئين و الشباب و كذلك عامة الناس جراء طرح أسئلة قليلة الفائدة أو عديمتها ، و إستبدالها بما في خير الأمة و صلاحها و لهم الأجر و الثواب .
copied
sources
[1] القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 322 .
[2] الْعِيِّ : الجهل .
[3] الكافي : 1 / 40 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
[4] الكافي : 1 / 40 .
[5] أعلام الدين في صفات المؤمنين : 81 ، لأبي محمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، من علماء القرن الثامن الهجري ، و المتوفى سنة : 841 هجرية ، الطبعة الأولى سنة : 1408 هجرية ، مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) ، قم / إيران .
[6] الكافي : 1 / 40 .
[7] أي لا تسأل لغير الوجه الذي ينبغي طلب العلم له كالمغالبة و المجادلة .
[8] التعَسُف : الأخذ على غير الطريق ، و الظلم .
[9] نهج البلاغة : 531 ، طبعة صبحي الصالح .
[10] أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) ، سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
[11] الكافي : 6 / 381 .
[12] أي أحاطوا .
[13] الكافي : 1 / 32 .